الحياة.
ويدل على أن مراد المرتضى والطوسي (علم الإمام بما يجري) قولهما في آخر الفقرة الرابعة : (فلما رأى عليهالسلام إقدام القوم ، وأن الدين منبوذ وراء ظهورهم ، وعلم أنه إن دخل تحت حكم ابن زياد تعجل الذل ...).
فإذا كان الحسين عليهالسلام علم هذا ، فأجدر به أن يعلم غيره مما جرى!
وأما قولهما في الفقرة الثانية : (ولم يكن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم ...).
فمعناه : أن احتمالات الغدر والخيانة وطروء الظروف غير المنظورة ، أمور لا تدخل في الحساب ، لأنها تخمينات لا يمكن الاعتماد عليها لمن يقدم على مثل ما أقدم عليه الإمام الحسين عليهالسلام في الخطورة والأهمية ، وفي النتائج العظيمة والوخيمة التي كانت تترتب عليه إيجابا وسلبا.
فالإمام الحسين عليهالسلام بنى حركته على أساس من علمه بوجوبها عليه ، وعلمه بما يترتب عليها من النتائج ، وما يجب أن يتحمله من المآسي والآلام ، فلا تمنعه الاحتمالات ولا تدخل في حسابه التخمينات ، ولم يأبه بما يثار في هذه الطريق من الأخطار ، إذ لا ينقض اليقين بيقين أحد من الناس العاديين ، فكيف بظنونهم واحتمالاتهم؟!
إن الحسين عليهالسلام كان يعمل ويسير من منطلق العلم بالحكم الشرعي المحدد له في مثل ظرفه ، والواضح له من خلال تدبر مصالح الإسلام والمسلمين ، والمعروف له من بوابة الغيب المتصلة بطرق السماء من خلال الوحي النبوي والإلهام ، فكان يرى كل شئ رأي العين ، ويسير بثبات ويقين ، ولم يكن ليصرفه عن واجبه الإلهي المعلوم له ، كل ما يعرفه من غدر الكوفة وخيانة أهلها ، فكيف ينصرف باحتمال غدرهم ، وظن خيانتهم؟!
وقد شرحنا في كتابنا (الحسين عليهالسلام سماته وسيرته) جانبا من هذه