الفصل السادس
نشر البردة
كان نشر البردة يعتمد على النساخ والخطاطين والحفاظ والشراح و... ، فالنسخ الباقية إلى الآن ـ والتي سلمت من نوائب الزمان ـ كثيرة جدا موزعة في مكتبات العالم ، والنسخ المكتوبة بالخط المنسوب لو تصدى لفهرستها أو جمع صورها أحد الهواة لكانت متحفا فنيا يعرض جمال الخط العربي لمتذوقيه ودارسيه ، وأما الحفاظ فلا زال في البلاد الإسلامية من يحفظ البردة أو أبياتا منها من المنشدين للمدائح وقراء التعزية.
ويكفينا مثالا أن أحد الخطاطين الموجدين والذين كتبوا الخط المنسوب ، ذكر مترجموه أنه كان جيد الكتابة سريع فيها ومما كتب بخطه ما يزيد على خمسمائة نسخة بالبردة غالبها مخمس (١). وهو محمد بن إسماعيل بن يوسف ، شمس الدين الحلبي ، المقرئ الناسخ ، نزيل مكة ، والمتوفى سنة ٨١٤ ه.
ولا ننسى أثر جامعي التخاميس في نشرها ، وتكفي نظرة عجلى على فصل مجموعات التخاميس ـ على اختصاره ـ لنرى أحدهم يجمع ما ينيف على ستين تخميسا ، وآخرين يجمعون ما قدروا عليه.
هذا كله قبل ظهور الطباعة.
وأما بعد أن اخترعت هذه الآلة التي أدت إلى كثرة الكتب كثرة عظيمة ، فقد تأخر نشر البردة ـ عندنا ـ بواسطتها ، لأن اليد التي أوجدت المطبعة يد غير عربية ولا مسلمة ، فلا غرو أن نبقى نعتمد على كتابة اليد في نشر ما نريد مدة
__________________
(١) الضوء اللامع ٧ / ١٤٤.