البوصيري والبردة :
في السنة الثامنة بعد المئة السادسة لهجرة الممدوح صلىاللهعليهوآله وسلم وفي قرية اختلفوا في تسميتها ، كانت ولادة محمد بن سعيد بن حماد البوصيري ، الذي نشأ ، كما يبدو ، «في أسرة فقيرة ، ولذلك اضطر إلى السعي لطلب الرزق منذ صغره ، فزاول كتابة الألواح التي توضع شواهد على القبور».
ويبدو أنه بحث عن أسباب الثقافة في صغره ، «ثم أقبل على التصوف. فدرس آدابه وأسراره. وقد تلقى ذلك عن أبي العباس المرسي الذي خلف أبا الحسن الشاذلي في طريقته. وكان بين البوصيري وشيخه علاقة حب. وقد تأثر البوصيري بهذه التعاليم ، وظهر أثر ذلك في شعره واضحا».
وقد كان شاعرا ظريفا «من شعراء القرن السابع ، تجري في شعره النكت المستملحة ، وله في شكوى حاله ، والتذمر من الموظفين قصائد لا تخلو من ذكاء. وفي شعره وصف للحالة الاجتماعية في عصره».
هذا الشاعر الاجتماعي الصوفي ، تحقق على يده فتح كبير في باب المدائح النبوية ، أقبل عليه الجم الغفير من الشعراء بعده وولجوه من خلال قصيدته الميمية (البراءة) والتي لا يكاد يخفى مطلعها على أحد :
أمن تذكر جيران بذي سلم |
|
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم |
إذ أصبحت هذه القصيدة المثل الكامل الذي يحتذى للمدحة النبوية ، وعلى نهجها يسير المادحون ، وبمقوماتها يهتدون.
وإن كان سبب نظمها معروفا عند بعضهم ـ إن لم نقل كلهم ـ ومنتشرا في الكتب ، فإنه لا مندوحة لنا عن التذكير به من جديد ، لما له من مسيس الصلة بالبديعيات ، فالبوصيري يحدثنا عن ذلك بقوله : «كنت قد نظمت قصائد في مدح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منها ما كان اقترحه علي الصاحب زين الدين يعقوب ابن الزبير ، ثم اتقف بعد ذلك أن أصابني فالج أبطل نصفي ،