وبهذا يقوى أن يكون حديثه مما صنع في دولة ابن آكلة الأكباد.
الرابع : أن حديث الباب لم يروه من العشرة الذين بشرهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وشهد لهم بالجنة ـ بزعمهم ـ سوى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد ، ولم تؤثر روايته عن غيرهما ، ولا احتج به أحد منهم في موطن من المواطن التي احتاجوا فيها إلى مثل هذه الشهادة والبشارة.
فمن انفراد هذين بالرواية ، وإعراض البقية يكون الريب في أمر هذا الحديث.
الخامس : ورد في رواية سعيد بن زيد ـ عند أحمد والترمذي وابن ماجة والطبراني (١٢٠) ـ قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حقه وحق أصحابه المبشرين : أثبت ـ وفي رواية : اسكن ـ حراء! فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ، فيريدون بالصديق أبا بكر ـ كما اشتهر عندهم تلقيبه بذلك ـ وأما الشهادة فقد ادعوا أن عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير نالوها ، لأنهم قتلوا ظلما ، وقد ثبت أن من قتل مظلوما فهو شهيد.
ولو سلمنا لهم ذلك جدلا فأين موضع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من هؤلاء؟! فلا هم صديقين ولا شهداء!
نعم ، ذكر القاضي عياض أن سعدا إنما سمي شهيدا لأنه مشهود له بالجنة ـ كما حكاه النووي (١٢١) ـ لكنك خبير بأن هذا التأويل مردود لابتنائه على القول باستعمال اللفظ الوارد في الحديث في أكثر من معنى وقد بينوا بطلانه في الأصول ، مضافا إلى أن الشهادة بالجنة لا تختص بسعد ـ كما لا يخفى ـ.
__________________
(١٢٠) مسند أحمد ١ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٥١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٨ ، المعجم الأوسط. للطبراني ـ ٣ / ٢١.
(١٢١) شرح صحيح مسلم ٩ / ٢٩٦.