أحدهما : أن العموم إنما يستفاد في مثل هذه الصيغة من (أل) الموصولة أو التعريفية ، وليست (أل) هذه موصولة قطعا ، لأن (الأتقى) أفعل تفضيل ، و (أل) الموصولة لا توصل بأفعل التفضيل بإجماع النحاة ، وإنما توصل باسم الفاعل والمفعول ، وفي الصفة المشبهة خلاف ، وأما أفعل التفضيل فلا توصل به بلا خلاف.
وأما التعريفية فإنما تفيد العموم إذا دخلت على الجمع ، فإن دخلت على مفرد لم تفده ـ كما اختار الإمام فخر الدين ـ ، ومن قال : إنها تفيده فيه قيده بأن لا يكون هناك عهد ، فإن كان لم تفده قطعا.
هذا هو المقرر في علم الأصول ، و (الأتقى) مفرد لا جمع ، والعهد فيه موجود ، فلا عموم فيه قطعا ، فعلم بذلك أنه لا عموم في (الأتقى) فتأمل ، فإنه نفيس فتح الله به علي تأييدا للجناب الصديقي. انتهى.
أقول :
تأملنا كلامه فوجدناه قد أسس بنيانه على شفى جرف هار ، وذلك أنه ظن أن (أفعل) هنا للتفضيل اغترارا بالصيغة! ونحن نبين لك زلته في ذلك ، لتعرف أنه لم يمحص المسألة كما كان ينبغي له ، وإنما عول فيها على من أحسن الظن به من أصحاب الكتب المصنفة في التفسير والكلام.
إعلم : أن (أفعل) قد تستعمل في موضع (فاعل) و (فعيل) ولا يراد بها التفضيل.
حكى محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (١١٢) عن أبي عبيدة ، أنه قال : إن (الأشقى) هنا ـ يعني في سورة الليل ـ بمعنى الشقي ، والمراد به
__________________
(١١٢) مسائل الرازي وأجوبتها من غرائب آي التنزيل : ٣٧٤.