هذا الخطاب ، على نحو مائة ألف من المسلمين شهدوا حجة الوداع ، وعند مفترق طرقهم إلى مدائنهم ، لم يعش النبي (ص) بعده إلا نحو ثمانين يوما (١١٤) ، ليكون هذا الخطاب ذاته بعد اليوم الثمانين مفترق الطرق بين المسلمين ، وحتى اليوم!!
ثمانون يوما لا تكفي لنسيانه!!
ودواعي الذكرى التي أحاطت به لا تسمح بتناسيه!!
لكن لم يحدثنا التاريخ أن أحدا قد ذكره في تلك الأيام الحاسمة التي ينبغي ألا تعيد الأذهان إلى شئ قبله ، فهو النص الذي يملأ ذلك الفراغ ، ويسكن له ذلك الهيجان ، وتنقطع دونه الأماني ، أو فرص الاجتهاد ..
(إني يوشك أن أدعى فأجيب ..
وإني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ..
من كنت مولاه فعلي مولاه ..).
والعهد ، بعد ، قريب ، جد قريب ..
فإذا وجدنا اليوم من لم يؤمن بالنص على خليفة النبي ، فليس لأن النبي لم يقله ، بل لأن الناس يومئذ لم يذكروه!!
٥ ـ (أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي).
حديث متواتر لا خلاف فيه (١١٥) ، لكن الكلام في تأويله ، وما أغنانا
__________________
(١١٤) كانت خطبة الرسول (ص) في غدير خم يوم ١٨ ذي الحجة سنة ١٠ ه ، ووفاته (ص) يوم ٢ أو ١٢ ربيع الأول من سنة ١١ ه ، حسب اليعقوبي والطبري ، والكليني ، أو ٢٨ صفر ، حسب الطبرسي.
(١١٥) مسند أحمد ١ / ١٧٣ و ١٧٥ و ١٨٢ و ١٨٤ و ٣٣١ ، صحيح البخاري ـ فضائل