وقد يبدو هذا في منتهى الغرابة لمن ألف التصور القدسي لتعاقب الخلافة ، ذاك التصور الذي صنعه التاريخ وفق المنهج الذي قرأناه في البحوث المتقدمة ، ومن هنا استنكروه ، كما استنكروا سائر كلامه في الخلافة ، وقبله استنكروا جملة من الحديث النبوي الشريف الذي يصدم تلك القداسة!
لكن الحقيقة ، كل الحقيقة ، أنك لو تلمست لذلك التصور القدسي شاهدا من الواقع مصدقا له لعدت بلا شئ.
لم يألف التاريخ الاصغاء لعلي!!
التاريخ الذي أثبت ، بما لا يدع مجالا لشبهة ، أن عليا لم يبايع لأبي بكر إلا بعد ستة أشهر ، صم أذانه عن سماع أي حجة لعلي في هذا التأخر!
تناقض لم يستوقف أحدا من قارئي التأريخ!
وكيف يستوقفهم على عيوب نفسه ، وهو وحده الذي صاغ تصوراتهم وثقافتهم؟!
٨ ـ من كلام له بعد الشورى ، وقد عزموا على البيعة لعثمان :
(لقد علمتم أني أحق بها من غيري ، ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة ، التماسا لأجر ذلك وفضله ، وزهدا في ما تنافستموه من زخرفه وزبرجه) (٢٠٨).
وجد ابن أبي الحديد أن هذه الكلمة هي آخر ما قاله علي (ع) آنذاك في كلام نقله هنا بعد أن أزاح عنه كل شك في صحته ، فقال : نحن نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات من مناشدته أصحاب الشورى ، وقد روى الناس ذلك فأكثروا ، والذي صح عندنا أنه لم يكن الأمر كما روي من
__________________
(٢٠٨) نهج البلاغة : ١٠٢ الخطبة ٧٤.