هي فوق الاسباب والقوى الظاهرية ، دليل على وجود هذه القدرة ، واذا لم يكن لهذه القدرة وجود ، لم يكن لهذا الميل الفطري وجود أيضاً.
وبالطبع هناك فرق بين وجود هذا الميل في الانسان ، وبين تعرف الانسان على ذلك الميل ، واهدافه بصورة كاملة. فالميل والرغبة لشرب الحليب ، موجود في الطفل منذ ولادته ، وحين يجوع ، ويلح عليه هذا الاحتياج ، يتحرك هذا الميل ويهيج ، ويوجه الطفل إلى البحث عن الثدي الذي لم يشاهده ولم يعرفه ، ولم يأنس به ، وذلك الميل هو الذي يهديه ، ويدفعه ، ليفتح فمه ، ويفحص وإذا لم يعثر على ضالته ، فإنه يبكي ، والبكاء بنفسه يعني طلب المعونة من الأم ، تلك الأم لم يعرفها بعد ، ولكن الطفل هل يعرف هدف الميل هذا ، وهدف البكاء ، ولماذا وجد هذا الميل والدافع فيه ، لا يعلم بأنه يملك الجهاز الهضمي ، وبأن هذا الجهاز يطالب بمالمواد الغذائية. هو لا يريد لماذا يريد ويطالب ؟ ولا يعلم بأن فلسفة البكاء اخبار الام بحالته ، تلك الام التي لم يكن قد عرفها بعد ، والتي سيتعرف عليها بالتدريج ، ومن جملة ميولنا ونزعاتنا الانسانية السامية ، الرغبة في معرفة الله الميل للدعاء ، والالتجاء لله ، الذي لم نشاهده تماماً ، كذلك الطفل ، الذي خرج جديداً للحياة بالنسبة للثدي الذي لم يشاهده ولم يعرفه ، والأم التي لم يشاهدها ولم يعرفها.
وبطبيعة الحال ، لو
لم يوجد الثدي والحليب الملائم لذلك الطفل. فأن الغريزة لا توجه الطفل باتجاه ذلك ، فهناك علاقة وثيقة بين ذلك الميل وبين الغذاء وكذلك الامر في سائر الميول البشرية ، فلم يودع أي ميل عبثاً في