بالركوع والخشوع ، ويقرّ بأني أعبدك وإن ضربت عنقي ، ثم بعد هذا الخضوع والانقياد يستحق معرفة أقوى ، ويناسبه خضوع أدنى ، فيقرّ بأنك خلقتني من التراب ، والمخلوق منه خليق بالتذلل عند ربّ الأرباب ، ثم بأنك تعيدني بعد الموت إلى التراب ، فيناسب تلك الحالة خضوع آخر ، فإذا عبد الله بتلك الآداب إلى آخر الصلاة ، وخاض في خلال ذلك بحار جبروته ، واكتسب أنوار فيضه ومعرفته ، وصل إلى مقام القرب والشهود ، فيقر بوحدانيّة معبوده ، ويثني على مقربي جنابه ، ثم يسلّم عليهم بعد الحضور والشهود ، وفي هذا المقام لطائف ودقائق ، لا يسع المقام ذكرها ، وأوردنا شذراً منها في بعض مؤلّفاتنا ، وإنما أومأنا ههنا إلى بعضها لمناسبة شرح الرواية ، والله وليّ التوفيق والهداية (١).
أقول : إنما جئنا على شرح رواية الكليني ، طاب ثراه ، من المجلسي رحمهالله عن آخره لاشتماله على شرحها الوافي ، وعلى سرّ السلام على من أمره الله تعالى بقوله عليهالسلام : « ثم التفت فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيين فقيل : يا محمد سلّم عليهم ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فأوحى الله إليه أنّ السلام والتحية والرحمة والبركات أنت وذرّيّتك » (٢).
وقال المجلسي : وفي العلل : « إني أنا السلام والتحية » : وحاصل المعنى : سلام الله وتحيته ، ورحمته ، وشفاعة محمد ، وأهل بيته صلوات الله عليهم ، ودعاؤهم ، وهدايتهم ، وإعانتهم عليكم : أي لكم (٣).
ويستفاد من بعض الروايات أن الله عزّ وجلّ سلّم على النبيّ ، صلىاللهعليهوآله ، ثم سلم النبي ، صلىاللهعليهوآله ، على نفسه وعلى عباد الله الصالحين ، ثم سلم الله تعالى عليهم أجمعين ؛ وإليك الإشارة إلى بعض هذه التسليمات كما في جامع الأحاديث قال : وفي رواية إسحق ( في ضمن ذكر قصة صلاة المعراج ) قوله عليهالسلام : « فاستقبل رسول الله
__________________
١ ـ مرآة العقول ١٥ | ٤٦٨ ـ ٤٨٠.
٢ ـ نفس الرواية المتقدمة.
٣ ـ من شرح المجلسي لها ، فراجع.