الناس : إنا آتينا موسى الكتاب ، وهو معطوف على بداية الكلام عن الوصايا العشر ، بكلمة (ثُمَ) أي ثم قل : إن آتينا موسى الكتاب ، ويصبح مجموع الكلام المقول للمشركين : تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ووصاكم به وهو كذا وكذا ، ثم قل لهم وأعلمهم : أننا آتينا موسى الكتاب .. إلخ أي أخبرهم بما أوحي إليك ، وبما آتينا موسى.
وقد تكرر ذكر التوراة في القرآن ؛ لأنها أشبه بالقرآن من الإنجيل والزبور ، لاشتمالها على جميع الأحكام التشريعية ، فكل منهما شريعة كاملة ، بعكس الإنجيل والزبور ، فإن الإنجيل كتاب عظات وأمثال وتاريخ ، والزبور كتاب ثناء ومناجاة وتراتيل. وكان كثير من عقلاء العرب يتمنى أن يكون لهم كتاب كالتوراة ، وأنه لو جاءهم لكانوا أهدى من اليهود وأعظم انتفاعا به ، لامتيازهم بحدة الذكاء وحصافة العقل والفهم.
ولما أخبر الله عن القرآن بقوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ) عطف عليه الكلام بمدح التوراة ورسولها ، فقال : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ). وكثيرا ما يقرن سبحانه بين ذكر التوراة والقرآن كما بينت ، كقوله تعالى : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً ، وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) [الأحقاف ٤٦ / ١٢] وقوله أول هذه السورة : (قُلْ: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً).
والوصايا العشر التي ذكرت في الآيات الثلاث ، والتي لها نظير في سورة الإسراء ، كانت أول ما نزل بمكة قبل تشريع أحكام العبادات والمعاملات ، وكانت أول ما نزل على موسى من أصول دينه ، وهي أيضا أصول الأديان على ألسنة الرسل ؛ لقوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)