وكلّمهما ، لتنكشف عورتهما التي يؤثران سترها ، أي لتكون عاقبة ذلك ظهور العورة. قال الحسن البصري : كان يوسوس من الأرض إلى السماء وإلى الجنة بالقوة الفوقية التي جعلها الله تعالى له. وهذا هو الرد على أن إبليس أخرج من الجنة وكان آدم فيها.
وقال كذبا وافتراء : ما نهاكما ربكما عن الأكل من هذه الشجرة إلا لأحد أمرين : أن تكونا ملكين أو خالدين هاهنا لا تموتان وتبقيان في الجنة ساكنين ، أي لئلا تكونا ملكين (١) أو خالدين في الجنة ، ولو أنكما أكلتما منها لحصل لكما ذلك كقوله : (قالَ : يا آدَمُ ، هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه ٢٠ / ١٢٠]. وقال الزمخشري : إلا كراهة أن تكونا ملكين.
والسبب في اختيار هاتين الخاصتين : أن للملائكة مزايا وخصائص كالقوة والبطش ، وطول البقاء ، وعدم التأثر بأحوال الكون ، وأن الخلود في الجنة بدون موت البتة هو أمل الإنسان. أي أن إبليس أوهمهما أن الأكل من هذه الشجرة : إما ليتصف الآكل بصفات الملائكة ، أو لتحقيق الخلود في الحياة.
وفي هذه إشارة إلى تفضيل الملائكة على آدم.
ثم حلف لهما بالله وأقسم قسما مؤكدا : (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) فإني من قبلكما هاهنا وأعلم بهذا المكان.
وقوله : (قاسَمَهُما) من باب المفاعلة المراد بها أحد الطرفين ، بقصد المبالغة وتغليظ القسم ، فإنه حلف لهما بالله على ذلك ، حتى خدعهما ، وقد يخدع المؤمن بالله.
__________________
(١) وهذا مثل قوله تعالى : يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء ٤ / ١٧٦] أي لئلا تضلوا ، وقوله : وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ [النحل ١٦ / ١٥ ولقمان ٣١ / ١٠] أي لئلا تميد بكم.