(فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) أي ما زال يخدعهما ويغريهما بالترغيب في الأكل من الشجرة ، وبالوعد ، وبالقسم بالأيمان المغلّظة ، حتى نسيا أن الله أخبرهما أنه عدو لهما ، وتمكن من زحزحتهما وإسقاطهما من منزلتهما عند الله بسبب طاعتهما ، بما غرهما به من اليمين وزيّن لهما ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ ، فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه ٢٠ / ١١٥]. ومعنى (فَدَلَّاهُما) فنزلهما إلى الأكل من الشجرة بما غرهما به من القسم بالله.
فلما ذاقا ثمرة الشجرة ، ظهرت عوراتهما ، وزال النور عنهما ، وشرعا يجعلان ورقة على ورقة من ورق أشجار الجنة العريض لستر العورة.
وناداهما ربهما معاتبا لهما وموبخا بقوله : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) أي ألم أنهكما من الاقتراب من هذه الشجرة والأكل منها ، وأقل لكما : إن الشيطان ظاهر العداوة لكما ، فإن أطعتماه أخرجكما من دار النعيم وهي الجنة إلى دار الدنيا وهي دار الشقاء والتعب في الحياة ، فاحذروا الشيطان كما قال : (فَقُلْنا : يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ، فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ ، فَتَشْقى) [طه ٢٠ / ١١٧].
(قالا : رَبَّنا ظَلَمْنا ..) أي قالا : ربنا إننا ظلمنا أنفسنا بمخالفة أمرك وطاعة الشيطان عدوك وعدونا ، وإن لم تستر ذنبنا وترض عنا وتقبل توبتنا ، لنكونن من الذين خسروا الدنيا والآخرة : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ، فَتابَ عَلَيْهِ ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة ٢ / ٣٧].
ثم خاطب الله آدم وحواء وإبليس بقوله : (قالَ : اهْبِطُوا ..) أي أنزلوا من هذه الجنة ، بعضكم عدو لبعض ، يعني أن العداوة ثابتة بين الجن والإنس لا تزول البتة ، فإبليس يعاديهما أي آدم وحواء وهما يعاديانه. فعلى الإنسان أن يحذر من وساوس الشيطان ، كما قال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ، فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) [فاطر ٣٥ / ٦].