وقد قسموا تلك القسمة مفترين على الله ، كاذبين عليه ، فهو لم يشرعه لهم ، وما كان لهم أن يحللوا أو يحرموا شيئا لم يأذن الله به ، كما قال تعالى : (قُلْ : أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ ، فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً ، قُلْ : آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) [يونس ١٠ / ٥٩].
والله سيجزيهم الجزاء الذي يستحقونه بما كانوا يفترون. وهذا وعيد وتهديد لهم.
ثم ذكر الله تعالى نوعا آخر من التحليل والتحريم بزعمهم وسخفهم فقال : (وَقالُوا : ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ ..) أي إن أجنة وألبان هذه البحائر (أي المشقوقة الآذان) والسوائب المسيّبة للآلهة فلا يتعرض لها أحد : هو حلال خاص برجالنا ، ومحرم على إناثنا ، فلبنها للذكور ومحرم على الإناث ، وإذا ولدت ذكرا جعلوه خالصا للذكور لا تأكل منه الإناث ، وإذا ولدت أنثى تركت للنتاج فلم تذبح ، وإذا كان المولود ميتا اشترك فيه الذكور والإناث.
سيجزيهم جزاء وصفهم أي قولهم الكذب في ذلك ، كما قال تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ : هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ ، لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) [النحل ١٦ / ١١٦].
ثم ندد الله بوأد البنات وتحريم ما أحل الله فقال : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ ...) أي خسر الذين قتلوا أولادهم ، فوأدوا البنات خسرانا مبينا ، وحرموا ما رزقهم الله من الطيبات.
إنهم قتلوا أولادهم سفها أي خفة مذمومة ، وحماقة مفضوحة ، خوفا من ضرر موهوم وهو الفقر ، وجهلا بما ينفع ويضر ويحسن ويقبح ، ولا شك أن الجهل أعظم المنكرات والقبائح ، وحرموا الطيبات افتراء وكذبا على الله ، ولقد ضلوا ضلالا مبينا لعدم توصلهم إلى مصالح الدنيا والدين ، ولم يكونوا مهتدين إلى شيء