سبيل الإكرام والتعظيم ، كما تفعل العرب عادة من قبض الرجل على لحية أخيه إكراما وتعظيما. ولكن هارون كره ذلك لئلا يظن بنو إسرائيل أنه إهانة. وكان هارون أكبر من موسى عليهماالسلام بثلاث سنين ، وأحب إلى بني إسرائيل من موسى ؛ لأنه كان ليّن الغضب. ثم إن موسى فعل ذلك بأخيه ؛ لظنه أو توهمه أن هارون مائل مع بني إسرائيل فيما فعلوه من أمر العجل ، ومثل هذا الميل لا يجوز على الأنبياء.
وزال الإشكال باعتذار هارون أن عبدة العجل استضعفوه ، وقاربوا يقتلونه ، فقبل موسى عذره ودعا له ولأخيه بالمغفرة وطلب الرحمة ، المغفرة له على ما كان من الغضب الذي ألقيت من أجله الألواح ، والمغفرة لأخيه لما ظنه أنه مقصّر في الإنكار عليهم ، وإن لم يقع منه تقصير ، أي اغفر لي طرح الألواح ، ولأخي إن قصر.
قال الحسن البصري : عبد كلهم العجل غير هارون ، إذ لو كان ثمّ مؤمن غير موسى وهارون ، لما اقتصر على قوله : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي) ، ولدعا لذلك المؤمن أيضا.
وإنما أقام هارون ولم يتبع أخاه موسى إلى الطور ، خوفا على نفسه من القتل ، فدلت الآية على أن من خشي القتل على نفسه عند تغيير المنكر له أن يسكت.
قال ابن العربي : هذا دليل على أن الغضب لا يغير الأحكام ، كما زعم بعض الناس ، فإن موسى عليهالسلام لم يغيّر غضبه شيئا من أفعاله ، بل اطّردت على مجراها من إلقاء لوح ، وعتاب أخ ، وصكّ ملك (١). قال المهدوي : لأن غضبه كان لله عزوجل ، وسكوته عن بني إسرائيل خوفا أن يتحاربوا ويتفرقوا.
__________________
(١) أحكام القرآن : ٢ / ٧٨٣.