ولست بالظالم لهم أبدا في تقديرك ، بل هذا موافق لطبعهم وكسبهم واختيارهم ، وتهدي بالمحنة أيضا من تشاء من عبادك ، وهم المؤمنون المتثبتون في معرفتك ، ولست بالمحابي لهم في توفيقك للهداية ، بل هذا متفق مع طبعهم وكسبهم واختيارهم ، ولو ترك الفريقان وشأنهم لاختار كل منهم ما هو فيه وما قدر له. وإنما استفاد ذلك موسى عليهالسلام من قوله تعالى له : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) [طه ٢٠ / ٨٥] وجعل ذلك إضلالا من الله وهدى منه ؛ لأن محنته لما كانت سببا لأن ضلوا واهتدوا ، فكأنه أضلهم بها وهداهم ، على الاتساع في الكلام.
أنت ولينا ، أي المتولي أمورنا والمهيمن علينا ، فاغفر لنا أي استر ذنوبنا ولا تؤاخذنا بها ، وارحمنا وإن قصرنا وفرطنا ، وأنت خير الغافرين ، أي الساتر ذنوب العباد ، العافي عن السيئات ، ورحمتك وسعت كل شيء ، ومغفرتك ورحمتك بلا سبب ولا علة ولا لمصلحة ولا لعوض ، أما غيرك فإنما يغفر لأغراض عديدة كحب الثناء وطلب النفع أو لدفع الضرر ، وأنت تغفر لمحض الفضل والجود والكرم ، فهو حقا وقطعا خير الغافرين.
قال ابن كثير : والرحمة إذا قرنت مع الغفر ، يراد بها ألا يوقع العبد في مثل الذنب في المستقبل (١).
وقوله : (أَنْتَ وَلِيُّنا) يفيد الحصر ، ومعناه أنه لا ولي لنا ولا ناصر ولا هادي إلا أنت.
وقيل : في تفسير الآية وطلب موسى إهلاكهم وقوله (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) : أن الفتنة يراد بها عبادة العجل ، وأن طلب الإهلاك حينما عبدوا العجل ، وأن الذين عبدوه هم السفهاء وهم الأكثرون ، وأما عقلاء بني إسرائيل فلم يعبدوه.
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٢٥٠