المناسبة :
لما ذكر الله تعالى أحوال الأنبياء مع أقوامهم ، وما حلّ بهم من العذاب ، بيّن في هذه الآية أن جنس هذا الهلاك أو الاستئصال لم يقتصر على زمن هؤلاء الأنبياء فقط ، وإنما قد فعله بغيرهم ، وبيّن أيضا سنته الإلهية في الانتقام ممن كذّب الأنبياء ، وهي التدرج بهم من التضييق عليهم بالبأساء (شدة الفقر) والضراء (المرض ونحوه) ثم إلى السعة والرخاء والرفاه ، ثم يأتي إنزال العذاب فجأة من غير شعور بمجيئه. وفي ذلك تحذير لقريش وأمثالهم وتخويفهم ، وحمل لهم على الإيمان برسالة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
التفسير والبيان :
يخبر الله تعالى عن سنته المتبعة في تعذيب الأمم والشعوب الضالة ، سواء في زمن الأنبياء أو في غير زمنهم ، وتلك السنة فيها إنذار وإعذار ، ومقدمات توحي بضرورة تغيير الأوضاع ، والانتقال من الكفر والضلال إلى الإيمان والهدى.
والمعنى : إننا إذا أرسلنا نبيا إلى قوم ، فكذبوه ، فلا نعاجلهم بالعذاب ، وإنما نتدرج في إمهالهم وتذكيرهم بتقليب الأحوال ، فنبدؤهم بالعقاب بإنزال شيء من الشدة والمكروه ، بتعريضهم لسوء الحال المادية وإفقارهم ، ثم بتسليط الأمراض والبلايا والأسقام عليهم ، أو بالعكس ، المرض أولا ، ثم الفقر ، لكي يتضرعوا أي يدعوا الله ويخشعوا ويبتهلوا إلى الله تعالى في كشف ما نزل بهم.
(ثُمَّ بَدَّلْنا ...) : ثم حولنا الحال من شدة إلى رخاء ، ومن فقر إلى غنى ، ومن مرض إلى صحة وعافية ، ليشكروا على ذلك فما فعلوا. فالسيئة : كل ما يسوء صاحبه ، والحسنة : ما يستحسنه الطبع والعقل.