تقديسها وعبادتها من مخلوق مثلها ، بل أسمى وأكمل منها؟ وإنما الذي يستحق العبادة هو الرب الخالق الذي خضعت له جميع الكائنات ، ودانت له الأسباب. وكيف تترك رسالة بشر خصه بالعلم والمعرفة ، وازدانت عقيدته بالحق والنور والفائدة العظمى ، وتعبد حجارة من دون الله ، لا تضر ولا تنفع؟
وإن كنتم صادقين في تأليههم ، واستحقاقهم العبادة ، والتماس النفع أو الضر منهم ، فادعوهم واطلبوا منهم طلبا ما ، فليستجيبوا لكم دعاءكم ، إما بأنفسهم ، وإما بتوسطهم عند الله. ومعنى هذا الدعاء : طلب المنافع ، وكشف المضار من جهتهم. واللام في قوله (فَلْيَسْتَجِيبُوا) لام الأمر ، على معنى التعجيز ، والمعنى أنه لما ظهر لكل عاقل أنها لا تقدر على الإجابة ، ظهر أنها لا تصلح للعبادة.
وقوله : (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) استهزاء بهم ، أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء ، فإن ثبت ذلك ، فهم عباد أمثالكم ، لا تفاضل بينكم.
وصفت الأصنام بأنها عباد ، وأشير إليها بضمير العقلاء في قوله : (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ) ولم يقل : التي ، مع أنها جمادات غير عاقلة ، إنزالا لها منزلة العقلاء بحسب اعتقاد المشركين أنها تضر وتنفع ، فتكون عاقلة فاهمة ، فوردت الألفاظ على وفق معتقداتهم.
ثم ترقى القرآن في الجواب عليهم ، وأبطل أن يكونوا عبادا أمثالهم ، وأثبت أنهم ليسوا أمثالهم ، بل أدنى منهم رتبة ، فذكر أعضاء أربعة هي الأرجل والأيدي والأعين والآذان ، وكلها معطلة القوة والحركة والإدراك ، مع أن هذه الأعضاء إن كان فيها هذه القوى فهي وسائل الكسب في الحياة.
فليس للأصنام أرجل يمشون بها إلى جلب نفع أو دفع ضر ، وليس لهم أيد يبطشون بها ويصولون بها لتحقيق ما ترجون منهم من خير ، أو تخافون من شر ، وليس لهم أعين يبصرون بها أحوالكم ، ولا آذان يسمعون بها نداءكم وكلامكم وفهم