الأصنام لا قدرة لها على النفع والضر ، بيّن بهذه الآية أن الواجب على كل عاقل عبادة الله تعالى ؛ لأنه هو الذي يتولى تحصيل منافع الدين ومنافع الدنيا ، أما الأولى فبسبب إنزال الكتاب وأما الثانية فبسبب تولي الصالحين.
ثم أكد تعالى ما تقدم من خيبة الأصنام في تحقيق النصر فقال : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ...) بصيغة الخطاب ، وذاك بصيغة الغيبة ، أي إن الذين تعبدونهم وتدعونهم من دون الله لنصركم ودفع الضر عنكم عاجزون ، لا يستطيعون نصركم ، ولا نصر أنفسهم ضد من يحقرهم أو يسلبهم شيئا مما يوضع عليهم من طيب أو حلي ، أو يريدهم بسوء.
فقد كسّر إبراهيم عليهالسلام الأصنام وأهانها غاية الإهانة فما دفعت عن نفسها الأذى ولا انتقمت منه ، كما أخبر تعالى عنه في قوله : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) [الصافات ٣٧ / ٩٣] وقال تعالى : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ ، لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) [الأنبياء ٢١ / ٥٨].
وروي عن معاذ بن جبل ومعاذ بن عمرو بن الجموح رضياللهعنهما ـ وكانا شابين من الأنصار قد أسلما ، لمّا قدم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة ـ أنهما كانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطبا للأرامل ، ليعتبر قومهما بذلك ، ويرتئوا لأنفسهم رأيا آخر.
وكان لعمرو بن الجموح ـ وكان سيد قومه ـ صنم يعبده ويطيبه ، فكانا يجيئان في الليل ، فينكسانه على رأسه ، ويلطخانه بالعذرة ، فيجيء عمرو بن الجموح ، فيرى ما صنع به ، فيغسله ويطيبه ، ويضع عنده سيفا ، ويقول له : انتصر ، ثم يعودان لمثل ذلك ، ويعود إلى صنيعه أيضا ، حتى أخذاه مرة ، فقرناه مع كلب ميت ، ودلياه في حبل في بئر هناك ، فلما جاء عمرو ، ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدّين باطل ، وقال :