وناسب الأمر بالإعراض عن الجاهلين وهم السّفهاء اتّقاء لشرّهم ، الأمر بالاستعاذة من الشّياطين ، تجنّبا للوقوع في مفاسدهم وشرورهم ، فقال تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ ...) أي وإما يعرض لك الشّيطان بوسوسته ، وينخس في قلبك بحملك على خلاف ما أمرت به ، ويحاول إيقاعك في المعاصي ، أو يغضبنك من الشيطان غضب يصدّك عن الإعراض عن الجاهل ، ويحملك على مجازاته ، بجعلك ثائرا هائجا ، فالجأ إلى الله واطلب النّجاة من ذلك بالله ، واستجر بالله من نزغه ، واذكر الله في القلب واللسان ، يصرف عنك وسوسة الشيطان ، والله سميع للقول من جهل الجاهلين والاستعاذة بالله من نزغ الشيطان (وسوسته) ولغير ذلك من كلام خلقه ، لا يخفى عليه منه شيء ، عليم بالفعل ، وبما يذهب عنك نزغ الشيطان وغير ذلك من أمور خلقه.
والاستعاذة مطلوبة عند تلاوة القرآن في قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا ، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النّحل ١٦ / ٩٨ ـ ٩٩].
والخطاب في آية (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) ونحوها موجّه إلى كلّ المكلّفين ، وأوّلهم الرّسولصلىاللهعليهوآلهوسلم. ويدأب الشّيطان على إلقاء وساوسه في قلب كلّ إنسان ، روى مسلم عن عائشة وابن مسعود أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ما منكم من أحد إلا وقد وكّل به قرينه من الجنّ ، قالوا : وإيّاك يا رسول الله؟ قال : وإيّاي إلا أن الله أعانني عليه ، فأسلم منه».
ثم أوضح الله تعالى طريق التخلّص من وساوس الشّيطان ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا ...) أي إن عباد الله المتقين ، الذين أطاعوه فيما أمر ، وتركوا عنه ما زجر ، إذا أصابهم طائف من الشيطان ، أي ألّمت بهم لمّة منه ، تذكّروا ما أمر الله به ونهى عنه ، وذكروا عقاب الله وجزيل ثوابه ، ووعده ووعيده ، فأبصروا السّداد ، وعرفوا طريق الحقّ والخير ، ودفعوا ما وسوس به الشّيطان إليهم ، ولم