والخطاب وإن كان للرسول ، إلا أنه تعليم وتأديب عام لجميع الخلق. والرسولصلىاللهعليهوآلهوسلم قد ينزغه الشيطان ـ والنزغ : كالابتداء في الوسوسة ـ والعلاج : الاستعاذة بالله كما دلت الآية الأولى ، وأما المتقون : فيتعرضون لما هو أزيد من النزغ ، وهو أن يمسهم طائف من الشيطان ، كما دلت آية : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا).
وقوله : (إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يدل على أن الاستعاذة باللسان لا تفيد إلا إذا حضر في القلب العلم بمعنى الاستعاذة ، فكأنه تعالى قال : اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك ، فإني سميع ، واستحضر معاني الاستعاذة بعقلك وقلبك ، فإني عليم بما في ضميرك.
ونظير هذه الآية : ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يأتي الشيطان أحدكم ، فيقول له : من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له : من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ، ولينته».
وأما إخوان الشّياطين : وهم شياطين الإنس أو الفجّار من ضلّال الإنس أو الكفّار والمشركون ، فتمدّهم الشّياطين في الغيّ والضّلال ، ويغوون النّاس ، فيكون ذلك إمدادا منهم لشياطين الجنّ على الإغواء والإضلال. فبين الفريقين تعاون على الضّلال والإثم. وسمّوا بإخوان الشّياطين ؛ لأنهم يقبلون منهم.
وهذا التّفسير جمع بين القولين في بيان المراد من إخوان الشياطين ، القول الأوّل وهو الأظهر عند الرّازي : أن شياطين الإنس يغوون الناس ، والقول الثاني وهو الأوجه عند الزّمخشري ؛ لأن إخوانهم في مقابلة الذين اتّقوا : وهو أن الشّياطين من الجنّ يكونون مددا لشياطين الإنس. والقولان مبنيان على أن لكل كافر أخا من الشّياطين (١).
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٥ / ١٠٠.