تكذيبهم بالحق من قبل مجيء الرسل وأول ما ورد عليهم ، أي في بدء الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله ، ومن قبل مجيء المعجزات ، فظلوا على حالهم ، ولم تؤثر فيهم الآيات الدالة على صدق الرسل ، أو فما كانوا ليؤمنوا إلى آخر أعمارهم بما كذبوا به أولا حين جاءتهم الرسل ، أي استمروا على التكذيب من لدن مجيء الرسل إليهم ، إلى أن ماتوا مصرّين على كفرهم وعنادهم ، مع تكرر المواعظ عليهم وتتابع الآيات.
ومثل ذلك الذي طبع الله على قلوب كفار الأمم الخالية ، يطبع على قلوب الكافرين الذين كتب الله عليهم ألا يؤمنوا أبدا. وبإيجاز : مثل ذلك الطبع الشديد نطبع على قلوب الكافرين.
وفي الآية تسلية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتثبيت له على دعوته ، وإخباره بأن هذا العناد والتمرد من أهل مكة قد سبقهم إليه أمثالهم من الأمم الغابرة ، فلا تأس ولا تحزن على كفرهم.
وما وجدنا لأكثر الأمم الماضية عهدا وفوا به ، سواء عهد فطرة الذي عاهدهم الله وهم في صلب آدم ، أو عهد شرع بالإيمان وأداء التكاليف ، أو عهد عرف متعارف عليه بأداء الالتزامات واحترام العقود التي يبرمونها فيما بينهم. ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال. وفي التعبير بالأكثر إشارة إلى أن بعضهم قد آمن ، ونفذ كل عهد مع الله أو مع الناس. وهذا من دقة القرآن ومصداقيته.
ومخالفة عهد الفطرة السليمة القائم على الإقرار بتوحيد الله وأنه لا إله إلا هو ، وعبادة غيره بلا دليل ولا حجة من عقل ولا شرع ، كان كلاهما بتأثير البيئة ، جاء في صحيح مسلم : «يقول الله تعالى : إني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم» وفي