بنو إسرائيل لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ، إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) [المائدة ٥ / ٢٤] ولكن : اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق ، لو سرت بنا إلى برك الغماد (مدينة باليمن) لجالدنا معك من دونه ، حتى نبلغه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خيرا ، ودعا له بخير. وقال الأنصار : فتمنينا معشر الأنصار أن لو قلنا كما قال المقداد ، أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم.
ثم قال الرسول : «أشيروا علي أيها الناس» وكأنه يريد الأنصار ، إذ كانت بيعة العقبة معهم أن ينصروه ويدافعوا عنه في دارهم بالمدينة ، وتخوّف ألا ينصرونه خارج المدينة ، كما شرطوا ذلك في عهدهم ، فقال سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال : أجل ، فقال : قد آمنا بك وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أمرك الله ، فوالذي بعثك بالحق ، لئن استعرضت بنا هذا البحر ، فخضته لخضناه معك ، ما يتخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك ، فسر بنا على بركة الله. فسرّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لقول سعد ، ونشّطه ذلك ثم قال :
«سيروا على بركة الله ، وأبشروا ، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين : العير القادمة من الشام ، وعلى رأسها أبو سفيان ، أو النفير الآتي من مكة ، لنجدتهم ، وعلى رأسهم أبو جهل ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم» (١).
__________________
(١) هذا ما رواه محمد بن إسحاق في سيرته عن عبد الله بن عباس (انظر تفسير ابن كثير : ٢ / ٢٨٨ وما بعدها).