وهذان عقابان ، كلّ منهما أخفّ من أنواع العقاب الأخرى ، بدءا بالتّدرج في العذاب لعلّهم ينزجروا ، ولكن القوم عند نزول تلك المحن عليهم لم يتّعظوا ولم يرعووا ، وإنما أقدموا على ما يزيد في كفرهم ومعصيتهم ، فقال تعالى : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا : لَنا هذِهِ) الآية.
فهم ينسبون الخير من الخصب والثّمار وسعة الرّزق والعافية والسّلامة والمواشي إلى أنفسهم ، مدّعين أنهم جديرون بذلك ، مستحقّون للإكرام والإنعام ، لتفوّقهم وذكائهم ، وعملهم ومعرفتهم. أمّا الشّر من الجدب والقحط والمرض والضّر والبلاء فهو بسبب موسى وقومه وشؤمهم.
والحقّ أن ما لحقهم من القحط والشدائد إنما هو من عند الله عزوجل بذنوبهم ، لا من عند موسى وقومه ، ولكنّهم قوم يجهلون هذا المعنى ، فطائرهم عند الله ، أي ما قدّر لهم وعليهم.
أمّا التّطيّر والتّشاؤم فجاء الإسلام بالنّهي عنه عند سماع صوت طائر ما كان ، وعلى أي حال كان ، لأن الواحد من أهل الجاهلية كان كثيرا إذا أراد الحاجة أتى الطّير في وكرها فنفّرها ، فإذا أخذت ذات اليمين مضى لحاجته ، وهذا هو السّائح عندهم. وإن أخذت ذات الشمال رجع ، وهذا هو البارح عندهم ، فنهي النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن هذا بقوله فيما رواه أبو داود والحاكم عن أم كرز : «أقرّوا الطّير على مكناتها» أي بيضها أو على تمكنها فلا تنفّروها. وقال عكرمة : كنت عند ابن عباس ، فمرّ طائر يصيح ، فقال رجل من القوم : خير خير ، فقال ابن عباس : ما عند هذا لا خير ولا شرّ. وقال عليه الصّلاة والسّلام فيما رواه أحمد ومسلم عن جابر : «لا طيرة ولا هام».
قال العلماء : وأما أقوال الطّير فلا تعلّق لها بما يجعل دلالة عليه ، ولا لها علم