الشيء يعمي ويصمّ». لذا قال تعالى مؤكدا ضلالهم : (اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) أي إنهم اتخذوه إلها بلا دليل ولا برهان ، بل عن جهل وتقليد لغيرهم ، كالمصريين الذين يعبدون العجل : «أبيس» والأقوام العاكفين على عبادة الأصنام في فلسطين ، فكانوا بذلك ظالمين لأنفسهم ؛ إذ عبدوا ما لا ينفعهم ، وإنما يضرهم.
ولما عاد موسى من مناجاة ربه أو من الميقات ، وكان قد أخبره الله تعالى ، وهو على الطور ، باتخاذ قومه عبادة العجل كما قال تعالى : (قالَ : فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ، وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) [طه ٢٠ / ٨٥] لما عاد ، ندم بنو إسرائيل على ما فعلوا ، وهذا هو معنى قوله : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) ورأوا أنهم قد ضلوا ضلالا بعيدا بعبادة العجل ، فتابوا واستغفروا ربهم ، وقالوا : إن لم يرحمنا ربنا بقبول توبتنا ، ومغفرة ذنبنا ، لنكونن من الهالكين ، ومن الذين خسروا سعادة الدنيا وهي الحرية والاستقلال في أرض الموعد ، وخسروا سعادة الآخرة وهي الإقامة في جنات النعيم. وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى اللهعزوجل.
فقه الحياة أو الأحكام :
يتبين من الآية أن بني إسرائيل يصعب عليهم الاستقرار على حال واحدة ، وإن كانت هذه الحال من أسعد الأحوال ، فهم قوم متناقضون ، مترددون ، متحيرون لا يدرون ماذا يفعلون ، كثيرو الشكوى والضجر ، قليلو الحمد والشكر على النعمة ، نظرتهم أحيانا سطحية ساذجة ، وتفكيرهم بدائي متأثر بالتقليد ، والتقليد داء يسري في الأمة كما يسري في الفرد من حيث لا يشعر ، أرادوا تقليد المصريين الذين عاشوا معهم في عبادة الأصنام والأوثان ، وأكد حنينهم للوثنية ما وجدوه من عكوف على الأصنام عند الأقوام الذين سبقوهم في فلسطين.
ووجد موسى السامري رغبتهم باتخاذ العجل إلها ، فصاغه لهم بذكائه من الحلي ، ولكنهم لم يفكروا في جدارة العجل للألوهية ، وظلموا أنفسهم ؛ إذ إن هذا