ذلِكَ فِي كِتابٍ) أي إن ما ذكر هو في اللوح المحفوظ مسجل فيه قبل حدوثه ، فلا يهمنك أمرهم ، مع علمنا به ، وحفظنا له. (إِنَّ ذلِكَ) إن علم ما ذكر والإحاطة به وإثباته في اللوح المحفوظ (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) سهل ؛ لأن علمه مقتضى ذاته المتعلق بكل المعلومات على سواء.
سبب النزول :
قيل نزلت هذه الآية بسبب جدال الكفار في أمر الذبائح ، وهم كفار خزاعة ، قالوا للمسلمين : تأكلون ما ذبحتم ، ولا تأكلون ما ذبح الله من الميتة ، أو مالكم تأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتله الله؟! فكان ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم أنتم بسكاكينكم ، فنزلت الآية بسبب هذه المنازعة.
المناسبة :
بعد أن عدد الله تعالى نعمه ، وأبان أنه رؤف رحيم بعباده ، وإن كان منهم من يكفر بالله ولا يشكر النعمة ، أتبعه بذكر نعمه بما كلّف ، فقال : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) أي لكل أمة شريعة خاصة ، وفيه زجر من نازع النبي صلىاللهعليهوسلم ، بتمسكهم بما شرعوا من الشرائع ، ثم أمره بالثبات على دينه الحق ، فالله يحكم بين العباد يوم المعاد.
التفسير والبيان :
(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) يخبر تعالى أنه جعل لكل قوم منسكا هم عاملون به ، أي شريعة ، ومتعبّدا ، ومنهاجا صالحا ، يتلاءم مع مقتضيات الزمان والمكان ، ومع سنة التدريج والتطور ونضوج العقل البشري ، فأنزل التوراة على موسى بنحو من الشدة ، لعلاج التمسك بالمادة ، ثم أنزل الإنجيل متمما لحكم التوراة مع علاج الروح وإشاعة المحبة ، والعناية بجوهر الدين ، لا بمجرد المظاهر والشكليات والطقوس ، ثم أنزل القرآن حينما نضج العقل البشري ، لإرساء معالم دستور الحق ، والجمع بين العناية بالمادة والروح ، والتركيز على معايير