العلم ، واستخدام العقل ، فكان أول دين يضع أسس الحضارة الإنسانية الشاملة ، وكان تشريعه وسطا بين الشرائع ، وكانت هذه الأديان صالحة للزمان الذي جاءت فيه.
(فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) أي إذا كان هذا هو شأن التدرج في الشرائع ، فلا ينبغي لمعاصريك يا محمد أن ينازعوك في أمر الدين ، فلكل أمة شريعة خاصة تناسب الزمان الذي جاءت فيه ، ثم جاء هذا القرآن ناسخا تلك الشرائع التي لم تعد صالحة للعمل بها ، وأدت دورها ، وكانت مقصورة على أتباعها المتقدمين.
فلا تتأثر يا محمد بمنازعتهم لك ، ولا يصرفك ذلك عما أنت عليه من الحق ، واثبت على دينك ثباتا لا يتزعزع ولا يلين. والمراد بذلك تهييج حمية الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والمبالغة في تثبيته على دينه.
(وَادْعُ إِلى رَبِّكَ ، إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) أي وادع هؤلاء المنازعين وغيرهم ، أي كل الناس إلى سبيل ربك ودينه الحق ، فإنك على طريق واضح مستقيم موصل إلى المقصود ، وهو سعادة الدنيا والآخرة ، كقوله تعالى : (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ ، وَادْعُ إِلى رَبِّكَ ، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [القصص ٢٨ / ٨٧].
(وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ : اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي فإن عدلوا عن هذه الأدلة إلى طريقة المراء والجدال بالباطل ، بعد أن ظهر الحق ، فقل لهم على سبيل التهديد والوعيد : الله عليم بما تعملون وبما أعمل ، ومجاز كل واحد بعمله ، وهذا كقوله تعالى : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ : لِي عَمَلِي ، وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ، أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ ، وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [يونس ١٠ / ٤١] وقوله سبحانه : (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ ، كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [الأحقاف ٤٦ / ٨] لأنه ليس بعد إيضاح الأدلة إلا هذا اللون من الوعيد والتحذير ، لذا قال تعالى :