ولا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب ، ولم يكن بمكة أهل الكتاب ، فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم ، وزالت الريبة والشك.
وقوله : (مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) لتأكيد النفي ، وكذلك قوله : (وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) تأكيد أيضا ، وذكر اليمين خرج مخرج الغالب ، كقوله تعالى : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام ٦ / ٣٨].
والخلاصة : أن صفة النبي محمد صلىاللهعليهوسلم في الكتب المتقدمة وتاريخه المعروف بين قومه : أنه رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) [الأعراف ٧ / ١٥٧].
فلا وجه أصلا للشك في أن هذا القرآن نزل من عند الله ، لا بإيحاء بشر ولا ملك ولا جانّ ، وبالرغم من نصاعة هذه الحقيقة ، ومع علم قريش بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم أمي لا يحسن الكتابة ، اتهموه بأخذه عن الكتب المتقدمة ، كما حكى تعالى عنهم : (وَقالُوا : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها ، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان ٢٥ / ٥].
وتأكيدا لما سبق أن القرآن منزل من عند الله ، قال تعالى :
(بَلْ ، هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) أي بل إن هذا القرآن آيات واضحة الدلالة على الحق ، وذلك أمر مستقر في قلوب العلماء من أهل الكتاب وغيرهم ، ولكن ما ينكر وما يكذب بآيات الله النيّرة ويبخس حقها ويردها إلا الظالمون ، أي المعتدون المكابرون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس ١٠ / ٩٦ ـ ٩٧].