ونلهمها الهداية إلى الإيمان والعمل الصالح لفعلنا ، كما قال تعالى في آية أخرى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس ١٠ / ٩٩].
ولكن حكمتنا قضت ترك أمر الإيمان والعمل الصالح للاستعدادات والخيار ، دون الإكراه والاضطرار ، كما قال سبحانه :
(وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي ولكن ثبت قضائي ، وسبق أنه لا بد من ملء جهنم من صنفي الجن والإنس الذين هم أهل لها بحسب استعدادهم وسوء اختيارهم ، وفحش اعتقادهم وعملهم ، فهم الظالمون أنفسهم ، وقد علم الله مسبقا قبل خلقهم أن مآلهم إلى النار ، فحقّ الوعيد ، وحق الجزاء.
لذا استحقوا أيضا التوبيخ ، فقال تعالى :
(فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ، إِنَّا نَسِيناكُمْ ، وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ : ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم بيوم القيامة ، واستبعادكم وقوعه ، وتناسيكم له ، وعملكم عمل الناسي له ، لذا فإنا سنعاملكم معاملة الناسي ؛ لأنه تعالى لا ينسى شيئا ، ولا يضل عنه شيء ، وهذا ما يسمى بأسلوب المقابلة أو المشاكلة ، مثل قوله : (وَقِيلَ : الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) [الجاثية ٤٥ / ٣٤] وقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى ٤٢ / ٤٠].
ويقال لهم أيضا على سبيل التأكيد : وذوقوا عذاب النار الدائم الذي تخلدون فيه بسبب كفركم وتكذيبكم وسوء أعمالكم ، كما قال تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً ، جَزاءً وِفاقاً ، إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً ، وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً ، فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النبأ ٧٨ / ٢٤ ـ ٣٠].