من الفريقين : الذي صلى العصر في الطريق إلى بني قريظة ، والذي أخّر الصلاة حتى فات وقتها ، عملا بقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» فتخوف ناس فوت الوقت ، فصلوا دون بني قريظة ، وقال آخرون : لا نصلّي العصر إلا حيث أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإن فاتنا الوقت ، فما عنف واحدا من الفريقين. وفي هذا من الفقه تصويب المجتهدين.
٩ ـ قسم صلىاللهعليهوسلم أموال بني قريظة ، فأسهم للفارس ثلاثة أسهم ، وللراجل سهما ، قيل : وهي أول غنيمة قسّم فيها للفارس والراجل ، وأول غنيمة جعل فيها الخمس. وفي قول آخر : إن أول ذلك كان في بعث عبد الله بن جحش. ووفّق ابن عبد البر بين القولين : أن تكون غنيمة قريظة أول غنيمة جرى فيها الخمس بعد نزول قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية [الأنفال ٨ / ٤١]. وكان عبد الله بن جحش قد خمّس قبل ذلك في بعثه ، ثم نزل القرآن بمثل ما فعله ، وكان ذلك من فضائله رحمة الله عليه.
١٠ ـ أرسل الله على الأحزاب ريح الصّبا يوم الخندق ، حتى ألقت قدورهم ونزعت فساطيطهم ، وأنزل الملائكة لتفريق الجموع ، ولم تقاتل يومئذ ، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما أخرجه أحمد والشيخان : «نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدّبور». وكانت هذه الريح معجزة للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان المسلمون قريبا منها ، لم يكن بينهم وبينها إلا عرض الخندق ، وكانوا في عافية منها ، ولا خبر عندهم بها.
قال المفسرون : بعث الله تعالى الملائكة ، فقلعت الأوتاد ، وقطعت أطناب الفساطيط ، وأطفأت النيران ، وأكفأت القدور ، وجالت الخيل بعضها في بعض ، وأرسل الله عليهم الرّعب ، وكثر تكبير الملائكة في جوانب العسكر ؛ حتى كان سيّد كل خباء يقول : يا بني فلان هلمّ إلي ، فإذا اجتمعوا قال لهم : النّجاء النّجاء ، لما بعث الله تعالى عليهم من الرّعب.