طارت المائدة صعداء وهم ينظرون إليها حتّى توارت عنهم فلم يأكل يومئذ منها زمن إلّا صحّ ولا مريض إلّا برء ولا فقير إلّا استغنى ولم يزل غنيّاً حتّى مات وندم الحواريّون ومن لم يأكل منها وكانت إذا نزلت اجتمع الأغنياء والفقراء والصّغار والكبار يتزاحمون عليها فلما رأى ذلك عيسى عليه السلام جعلها نوبةً بينهم فلبثت أربعين صباحاً تنزل ضحىً فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتّى إذا فاء الفيء طارت صعداء وهم ينظرون في ظلّها حتّى توارت عنهم وكانت تنزل غبّاً يوماً ويوماً لا فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام اجعل مائدتي للفقراء دون الأغنياءِ فعظم ذلك على الأغنياء حتّى شكّوا وشككوا النّاس فيها فأوحى الله تعالى إلى عيسى أنّي شرطت على المكذّبين شرطاً أن من كفر بعد نزولها أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ فقال عيسى عليه السلام : إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون رجلاً باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم في ديارهم فأصبحوا خنازير يسعون في الطرقات والكناسات ويأكلون العذرة في الحشوش (١) فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى (ع) وبكوا وبكى على الممسوخين أهلوهم فعاشوا ثلاثة أيّام ثمّ هلكوا قال وفي تفسير أهل البيت عليهم السلام : كانت المائِدة تنزل عليهم فيجتمعون عليها ويأكلون منها ثمّ ترفع فقال كبراؤهم ومترفوهم لا ندع سفلتنا يأكلون منها فرفع الله المائِدة ببغيهم ومسخوا قردة وخنازير.
والقمّيّ اقتصر على ما نسبه إلى تفسير أهل البيت عليهم السلام مقطوعاً والعيّاشيّ عن الباقر عليه السلام : المائدة التي نزلت على بني إسرائيل كانت مدلاةً (٢) بسلاسل من ذهب عليها تسعة أَخْوِنَة وتسعة أرغفة وفي رواية أخرى تسعة الوان أرغفة.
وفي المجمع عن الكاظم عليه السلام : أنهم مسخوا خنازير والعيّاشيّ : مثله.
__________________
(١) الحشّ بالفتح والتشديد والفتح أكثر من الضمّ والكسر المخرج وموضع الحاجة وأصله من الحش البستان لأنّهم كانوا كثيراً ما يتغوّطون في البساتين فلمّا اتخذوا الكنيف وجعلوها خلفاً عنها أطلقوا عليها الاسم مجازاً وجمع الحش حشان مثل ضيف وضيفان.
(٢) أدليتها أرسلتها ، تدلّى من الشجرة تعلّق.