وفي العُيون عن الرضا عليه السلام : سمّيت مكّة مكّة (١) لأن الناس يمكون فيها وكان يقال لمن قصدها قد مكا (٢) وذلك قول الله تعالى وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً.
فالمكاء الصفير والتصديقة وتصفيق اليدين قيل كانوا يطوفون بالبيت عراء يشبّكون بين أصابعهم ويصفّرون فيها ويصفقون وكانوا يفعلون ذلك إذا قرأ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم في صلوته يخلطون عليه.
وفي المجمع روي : أنّ النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم كان إذا صلىَّ في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبد الدّار عن يمينه فيصفّران ورجلان عن يساره فيصفِقان بأيديهما فيخلطان عليه صلوته فقتلهم الله جميعاً ببدر فَذُوقُوا الْعَذابَ يعني القتل والأسر يوم بدر أو عذاب النار في الآخرة بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ بسبَب كفركم.
القمّيّ هذه الْآيَةَ معطوفة على قوله وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا كما نقلنا عنه هناك.
(٣٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ.
القمّيّ نزلت في قريش لمّا وافاهم ضمضم وأخبرهم بخبر رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم في طلب العير فأخرجوا أموالهم وحملوا وأنفقوا وخرجوا إلى محاربة رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ببدر فقتلوا وصاروا إلى النار وكان ما أنفقوا حسرةً عليهم.
أقول : قد مضت تسمية بعض المنافقين في قصة بدر.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ يساقون.
(٣٧) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الكافر من المؤمن والصالح من الفاسد
__________________
(١) الملك النّقض والهلاك ومنه سمّي البلد الحرام مكّة لأنّها تنقض الذنوب وتنقيها أو تملك من قصدها بالظّلم أي تهلكه كما وقع لأصحاب الفيل أو لقلّة الماء بها.
(٢) مكا يمكو إذا صفر ويقال المكاء صفير كصغير المكّاء بالتشديد والمد وهو طائر بالحجاز له صفير.