ولا يسترسل فى بيان عدد الكواكب ، ولا فى ذكر أنواع حركتها ، لأنه وقف على هذا فنا خاصا من رياضيات الشفاء (١).
والأرض فى رأيه كروية أيضا ، إلا أنها ثابتة غير متحركة ، فهى مركز العالم ، وكأنها فى حال توازن بين الأفلاك المختلفة. ويبرهن ابن سينا على كروية الأرض ، كما صنع أرسطو. ويروقه خاصة برهان منظر السفينة التي لا ترى لأول وهلة جملة واحدة (٢) ويرد على القائلين بأن الأرض متحركة ، لأن الفلك يجذبها إلى الجهات المختلفة جذبا متشابها فتبقى ثابتة (٣). وعالم الأرض أدنى منزلة من عالم السماء ، ومكوناته هى العناصر الأربعة التي قال بها ابنادوقليس من قديم ، وهى قابلة للكون والفساد (٤) ، ولا يكاد يشير ابن سينا إلى العنصر الخامس ، الذي شاء أرسطو أن يجعل منه مادة عالم السماء ، وهو الأثير (٥).
لا نظننا فى حاجة أن نشير إلى أن «كتاب السماء والعالم» مستمد أساسا من «كتاب السماء» ، ويكاد يعول عليه وحده. وكل ما بينهما من فارق هو أن ابن سينا يرى أن الدراسة الفلكية أولى بها أن تعرض فى علم الهيئة ، وهو صناعة غير صناعة الطبيعيات ، لا سيما وهو فى بحثه الفلكى متأثر بصاحب المجسطى بدرجة لا تقل عن تأثره بأرسطو. وسبق لنا أن لا حظنا أن ابن سينا لم يقف تقريبا عند فكرة العنصر الخامس (الأثير) ، وكأنه لا يأخذ بها ، لا سيما إذا أريد بها تفسير حركة الأفلاك والكواكب ، لأن عالم السماء تدبره نفوس مختارة بالطبع ، وهى مصدر حركته. هذا إلى أن عالم السماء فى رأى ابن سينا مبدع ، والإبداع خلق من عدم ، وهذه نقطة دينية لا سبيل لفيلسوف مسلم أن يحيد عنها. والواقع أن أرسطو لم يقل بفكرة الأثير إلا فى «كتاب السماء» ، ولم تصادف نجاحا لدى المشائين الأول ، وتردد المتأخرون فى قبولها (٦).
(ج) كتاب الكون والفساد لابن سينا :
هوالفن الثالث من طبيعيات الشفاء ، ويشتمل على خمسة عشر فصلا تقوم أساسا على الجدل والتاريخ ، ويطول فيها نفس المؤلف بقدر ما يقصر فى«كتاب السماء والعالم».
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ٢٠ ، ٣٧.
(٢) المصدر السابق ، ص ٥٥. (٣) المصدر السابق ، ص ٥٦.
(٤) المصدر السابق ، ص ٢٥.
(٥) المصدر السابق.
(٦) P. Moraux Aristcte, Du Ciel, Paris ١٩٦٣, P. L VI ـ LX