سينا ، كما أنكر الفارابى من قبل ، التنجيم ، ويرفض ما لا يصح من أحكام النجوم (١). وكيفما كان سير الكون وانتظامه ، فانه لا يتعارض مع القضاء الأزلى فى شىء لأن هذا القضاء «هو الفعل الأولى الإلهى الواحد المستعلى على الكل ، الذي منه ، تنشعب المقدورات (٢)».
يبدو ابن سينا هنا أيضا مشائيا مخلصا ، يأخذ عن أرسطو أولا ، وقد يضم إليه ما أضافه المشاءون. على أنه لا يتردد فى أن يناقش هؤلاء ، ويرفض ما لا يقره من آرائهم ، وفى هذا ما يدعوه إلى البسط والتطويل احيانا.
وفى الكتاب الذي نقدم له أربعة فصول تدور حول شكوك أثارها شراح أرسطو السابقون ، ويحرص ابن سينا على مناقشتهم والفصل فى مواطن الخلاف (٣) ، فيعرض مثلا لذلك الرأى القائل بأن البخار من طبيعة أخرى غير طبيعة الماء والهواء (٤) وهناك مسائل لا تقبل التردد فى نظره ، وهى تلك التي تتصل بالتعاليم الدينية ، فيقطع بأن نظام الكون لا يتعارض مع القضاء والقدر ، وبأنا لا نستطيع أن نكشف حجب الغيب ، ولا أن تتكهن بالمستقبل فى تفصيل ودقة.
(ء) كتاب الأفعال والانفعالات :
هو الفن الرابع من طبيعيات الشفاء ، ويقع فى مقالتين ، تحت أولاهما تسعة فصول ، وتحت الثانية فصلان ، ولا يبدو فى وضوح لم قسمه إلى مقالتين مع أن الموضوع متصل ، والكتاب كله أصغر حجما من كل من الكتابين السابقين. وليس فى قوائم كتب أرسطو التي وصلتنا عنوان شبيه بهذا العنوان ، اللهم إلا إشارة غير صريحة فى قائمة ديوجين اللائرسى ، ويمكن أن تصدق على «كتاب الكون والفساد». (٥) على ان فكرة الفعل والانفعال شائعة فى فلسفة أرسطو ، وتكاد ترد فى كتبه الطبيعية جميعها ، ولها شأن فى تفسير الكون والفساد أشرنا إليه من قبل (٦). وكتاب ابن سينا الذي نقدم له يرجع فى أغلبه
__________________
(١) Madkour, Astrologie en terre d Islam, Congres de Pbilosopbie medievale. Montreal\' ١٩٦٧
(٢) ابن سينا الكون والفساد ، ص ١٩٦. (٣) المصدر السابق ، فصل ١٠ ـ ١٣ ، ص ١٦٠ ـ ١٨٨.
(٤) المصدر السابق ، ص ١٦٩.
(٥) Moraux, Les Listes arciennes des ouvrages d\'Aristote, Louvain ١٩٥١, P. ٤٥. ٨١, ٨٢. Maugler Aristote De la generation et de la Corruption Paris ١٩٦٦, P. VI
(٦) ص ع.