تدعوهم إلى العناية باللغة. سيرحّب به المحافظون لأنه تراث قديم يضن عليه بأن يهجر فى زوايا المكاتب ، وأن ينتقل من صفة الكلام الحى إلى صفة الآثار المدفونة ، وسيرحب به المجددون ؛ لأنه يختصر لهم طريق التنقيب عن المفردات التى تكثر فى اللغات الأفرنجية وتقل نظائرها فى الفصيح المطروق من اللغة العربية. وسيرحب به كل مشتغل بترجمة فى علم أو أدب أو صناعة لأنه لا يخلو أن يجد فيه طلبة كانت بعيدة مطوية فأصبحت قريبة ميسورة ، وأصبح استعمالها بين من يتداولون هذا الكتاب مأنوسا غير مستغرب كما قد كانت والكتاب المطول وقف على الدارسين والمنقبين ففى أسماء أعضاء الإنسان والحيوان للطبيب ، وفى أسماء الأشجار والحشرات للعالم الزراعى ، وفى أسماء الذوات والأعيان لكل عالم وباحث ، وفى كل باب من الأبواب الكثيرة التى اشتمل عليها الكتاب ، زاد لا يستغنى عنه صاحب علم أو صناعة ، دع عنك الأدباء الذين يكتبون فى معارض شتى من المعانى والأوصاف. وخليق بهؤلاء جميعا أن يرحبوا بكتاب إن لم يكن وافيا بكل ما يراد من اللغة فهو على الأقل كالدليل الذى يعين على الهداية ويريح من نصف العناء الذى يستقلّ به كل باحث على حدة.
وقد علمت أن الفاضلين اللذين صنّفا هذا الكتاب قضيا سبع سنوات فى قراءة كتاب «المخصص» ومعارضة أبوابه والاضافة إليه من الكتب التى تشبهه. فهذا صبر يحق له أن يشكر ويقتدى به ويستفاد منه ، ولا يجزى حقّه من الشكر إلا بأن تتم الفائدة المرجوّة منه فى خدمة اللغة واستحيائها ، وهو جزاء جليل وعلى أبناء اللغة غير عسير.
إن فى العربية لمادة حياة عجيبة ، وإن من حياتها أن ينهض الناهضون فى عصرنا هذا لتجديد قديمها ونفى الخطأ عنها وتصحيح العامى منها ، وقد بذل الشىء الكثير من هذا المسعى فى هذه الأعوام الأخيرة. وجاز لنا أن نغتبط بعصرنا الذى تعودنا ألا نحمده ، مقدميه على كل عصر من عصور المعاجم السابقة ، فقد كان تأليف المعاجم فى جميع تلك العصور كأنما هو حركة خوف وحرص على شىء يخشى ضياعه ، فأما فى هذا العصر ، فهو وما جرى مجراه إنما هو حركة بعث وتحصيل وتوسيع وكسب لمادة جديدة ، وقد يكون فيه قليل من الخوف ولكن ما فيه من الرجاء والثقة يربى على ما فيه من ذاك.
لست أقدم هذا الكتاب تقديم الناقد ولكنى أقدمه تقديم المرحب ، وما كان لى أن أبيح لنفسى هذا لو لا أننى أعلم أننى واحد من مرحّبين كثيرين ، وأن ما نصيبى منه إلا أننى أول المرحبين؟