كلمة الأستاذ الأديب المرحوم محمود ناصف فى الطبعة الأولى
كنت أجدنى عند اقتناء المؤلفات فى العلوم المنقولة أوثر منها ما كان من وضع المتقدمين ، ولى فى الناس ولابد شركاء فى هذا الوجدان ؛ وليس ذلك إجلالا للقديم كتحفة أو أثر عادىّ ، بل لمكان الثقة بالأوائل ؛ لصدق نياتهم فى تحرى الصواب والتماس الحقائق ، حتى بلغ من حرصهم على الحق ألا يدوّنوا اللغة إلا بالرواية والأسانيد كالشريعة والسنة ، وسهل ذلك عليهم قربهم من العصور التى ينقلون عنها ـ ذلك هو مبعث النزوع إلى مؤلفات من قبلنا والزهد فى مستحدثاتنا فى العلوم التى تستوجب التثبت والأمانة فى النقل ، ومنها اللغة وآدابها.
وإنى لكذلك من المحافظين الحذرين إذ جدّ فى عالم الكتب مصنف شريف فى متن اللغة جعلنى أقتصد فى سوء الظن بكل جديد ؛ ذلك هو كتاب «الإفصاح» فى فقه اللغة ، استخلصه صاحباه من معجم قديم حصل الإجماع على جلالة نفعه ولزوم حاجة اللغة إليه فى جميع مراميها واستعمالاتها فى نواحى الحياة ومرافقها ، ولا يجهل الناس إلا قليلا كتاب «المخصص» لابن سيده الذى تكفّل فيه بتوريد الألفاظ لمن تحضرهم معان يجهلون دوالّها.
ومن تصفح كتاب «الإفصاح» تبين أن صاحبيه لم يقصدا فى تهذيب «المخصص» إلى مجرد الاختصار بحذف المكرر والتقديم أو التأخير وإدغام الأبواب بعضها فى بعض ، بل هما شاركا المؤلف الأول فى تحمل التبعة واقتسام العهدة ، فتعقّباه وخاصماه إلى معاجم اللغة ولم يتبعاه فى الإبهام والإحالات ، فلم يقولا دائما فى تفسير نبات أو حيوان مثلا : نبات معروف أو حيوان معروف بل يحدّدانه إما بالعبارة أو الصورة أو بمرادف شائع.
وبسبب هذا النصح والورع امتدّ بهما العمل سبع سنين دأبا ، وقد شهدتهما دائبين فى الثلاث الأخيرة منها. فأخرجاه عملا خطيرا لا رأيا فطيرا.
وكان مثلهما كالصانع الماهر الناصح وافق المواد الأولية فنفى رديئها واصطفى جيدها ثم أتقن صنعه وأحسن وضعه ، وما الحسن إلا أوضاع وتقاسيم.