ب ـ وقد حاول الإمام الزركشي ، والإمام مالك ، وأبو جعفر بن الزبير ، أن يجعلوا الخلاف بين الفريقين لفظيا (١) لأن القائل بالترتيب الاجتهادي رمز إليهم ذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته. لذا قال مالك : إنما ألفوا القرآن على ما يسمعونه من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مع قوله بأن ترتيب السور باجتهاد منهم فآل الخلاف إلى أنه هل هو بتوقيف قولي؟ أو بمجرد إسناد فعلي؟ بحيث يبقى لهم مجال للنظر وسبقه إلى ذلك أبو جعفر بن الزبير. اه.
وقد صرح الإمام ابن تيمية بأن ترتيب السور مفوض إلى اجتهاد الصحابة (٢).
الرأي الثالث :
أن كثيرا من السور القرآنية علم ترتيبها بالتوقيف وبعضها كان ترتيبها باجتهاد من الصحابة وقد حدده بعضهم بسورتي الأنفال والتوبة.
قال ابن عطية : [.. وظاهر الآثار أن السبع الطوال ، والحواميم ، والمفصل كان مرتبا في زمن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكان في السور ما لم يرتب فذاك هو الذي رتب وقت الكتب](٣).
وممن حددهما بالأنفال والتوبة أمثال الإمامين البيهقي والسيوطي ويدل على هذا الحديث الذي رواه أصحاب السنن منهم الإمام أبو داود في سننه» .. قال عثمان : وكانت الأنفال من أول ما أنزل عليه بالمدينة وكانت براءة من أخر ما نزل من القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها ، فمن هناك وضعتها في السبع الطوال ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم](٤).
__________________
(١) الإتقان في علوم القرآن ١ / ٦٢ ، والبرهان في علوم القرآن ١ / ٢٥٧ ، والمدخل لدراسة القرآن الكريم ص ٣٣١.
(٢) عنوان البيان في علوم القرآن ـ مخلوف ص ٧٤ ـ ٧٥.
(٣) مقدمتان في علوم القرآن ـ مقدمة ابن عطية ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥.
(٤) سنن أبي داود ١ / ٢٠٩ كتاب الصلاة ، باب من جهر بها.