على المسمى فلم يغفلوها ، وجعلوا المسمى صدر كل اسم منها كما ترى ، إلا الألف فإنهم استعاروا الهمزة مكان مسماها ؛ لأنه لا يكون إلا ساكنا. ومما يضاهيها في إيداع اللفظ دلالة على المعنى : التهليل ، والحولقة ، والحيعلة ، والبسملة ؛ وحكمها ـ ما لم تلهها العوامل ـ أن تكون ساكنة الأعجاز موقوفة كأسماء الأعداد ، فيقال : ألف لام ميم ، كما يقال : واحد اثنان ثلاثة ؛ فإذا وليتها العوامل أدركها الإعراب. تقول : هذه ألف ، وكتبت ألفاً ، ونظرت إلى ألف ؛ وهكذا كل اسم عمدت إلى تأدية ذاته فحسب ، قبل أن يحدث فيه بدخول العوامل شيء من تأثيراتها ، فحقك أن تلفظ به موقوفا. ألا ترى أنك إذا أردت أن تلقى على الحاسب أجناسا مختلفة ليرفع حسبانها ، كيف تصنع وكيف تلقيها أغفالا من سمة الإعراب؟ فتقول : دار ، غلام ، جارية ، ثوب ، بساط. ولو أعربت ركبت شططا. فإن قلت : لم قضيت لهذه الألفاظ بالاسمية؟ وهلا زعمت أنها حروف كما وقع في عبارات المتقدّمين؟ قلت : قد استوضحت بالبرهان النير أنها أسماء غير حروف ، فعلمت أن قولهم خليق بأن يصرف إلى التسامح ، وقد وجدناهم متسامحين في تسمية كثير من الأسماء التي لا يقدح إشكال في اسميتها كالظروف وغيرها بالحروف ، مستعملين الحرف في معنى الكلمة ، وذلك أن قولك : «ألف» دلالته على أوسط حروف «قال ، وقام» دلالة «فرس» على الحيوان المخصوص ، لا فضل فيما يرجع إلى التسمية بين الدلالتين. ألا ترى أنّ الحرف : ما دلّ على معنى في غيره ، وهذا كما ترى دال على معنى في نفسه ؛ ولأنها متصرف فيها بالإمالة كقولك : با ، تا. وبالتفخيم كقولك : يا ، ها. وبالتعريف ، والتنكير ، والجمع والتصغير ، والوصف ، والإسناد ، والإضافة ، وجميع ما للأسماء المتصرفة. ثم إنى عثرت من جانب الخليل على نص في ذلك. قال سيبويه : قال الخليل يوما ـ وسأل أصحابه ـ : كيف تقولون إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف (١) التي في لك ، والباء التي في ضرب؟ فقيل : نقول : باء ، كاف ؛ فقال : إنما جئتم بالاسم ، ولم تلفظوا بالحرف ، وقال : أقول : كه ، به. وذكر أبو على في كتاب الحجة في : (يس) : وإمالة يا ، أنهم قالوا : يا زيد ، في النداء ؛ فأمالوا وإن كان حرفا ، قال : فإذا كانوا قد أمالوا ما لا يمال من الحروف من أجل الياء ، فلأن يميلوا الاسم الذي هو يس أجدر.
__________________
(١) قال محمود رحمه الله : «وقد سأل الخليل أصحابه كيف ينطقون بالكاف ... الخ». قال أحمد رحمه الله : وسألهم أيضا كيف ينطقون بالقاف من يقبل؟ فقالوا : قاف ، كقولهم الأول ، فأجابهم كجوابه الأول وقال : أما أنا فأقول : اقه ، فألحق رضى الله عنه أولا هاء السكت ؛ لأن الحرف المنطوق به متحرك ، وثانيا همزة الوصل ؛ لأنه ساكن.