ألا ترى أنّ هذه الحروف أسماء لما يلفظ بها؟ فإن قلت : من أى قبيل هي من الأسماء ، أمعربة أم مبنية؟ قلت : بل هي أسماء معربة ، وإنما سكنت سكون زيد وعمرو وغيرهما من الأسماء حيث لا يمسها إعراب لفقد مقتضية وموجبه. والدليل على أنّ سكونها وقف وليس ببناء : أنها لو بنيت لحذى بها حذو : كيف ، وأين ، وهؤلاء. ولم يقل : ص ، ق ، ن مجموعا فيها بين الساكنين. فإن قلت : فلم لفظ المتهجى بما آخره ألف منها مقصورا ، فلما أعرب مدّ فقال هذه باء ، وياء ، وهاء ؛ وذلك يخيل أن وزانها وزان قولك «لا» مقصورة ؛ فإذا جعلتها اسما مددت فقلت : كتبت لاء؟ قلت : هذا التخيل يضمحل بما لخصته من الدليل ؛ والسبب في أن قصرت متهجاة ، ومدّت حين مسها الإعراب : أنّ حال التهجي خليقة بالأخف الأوجز ، واستعمالها فيه أكثر. فإن قلت : قد تبين أنها أسماء لحروف المعجم ، وأنها من قبيل المعربة ، وأن سكون أعجازها عند الهجاء لأجل الوقف ، فما وجه وقوعها على هذه الصورة فواتح للسور؟ قلت : فيه أوجه : أحدها وعليه إطباق الأكثر : أنها أسماء السور. وقد ترجم صاحب الكتاب الباب الذي كسره على ذكرها في حد ما لا ينصرف ب «باب أسماء السور» وهي في ذلك على ضربين : أحدهما ما لا يتأتى فيه إعراب ، نحو : كهيعص ، والمر. والثاني : ما يتأتى فيه الإعراب ، وهو إما أن يكون اسما فردا كص وق ون ، أو أسماء عدّة مجموعها على زنة مفرد ك «حم وطس ويس ؛» فإنها موازنة لقابيل وهابيل ، وكذلك طسم يتأتى فيها أن تفتح نونها ، وتصير ميم مضمومة إلى طس فيجعلا اسماء واحد ؛ كدارابجرد ؛ فالنوع الأول محكي ليس إلا ؛ وأما النوع الثاني فسائغ فيه الأمران : الإعراب ، والحكاية ؛ قال قاتل محمد بن طلحة السجاد وهو شريح ابن أوفى العبسي (١)
__________________
(١) قوله «قال قاتل محمد بن طلحة ... الخ» هكذا نسبه البخاري لشريح في تفسير غافر. ولفظه : ويقال إن (حم) اسم. لقول شريح بن أبى أوفى ، فذكره. ونسب ذلك لغير شريح ، ففي الطبقات لابن سعد والمستدرك للحاكم من رواية الواقدي عن محمد بن الضحاك بن عثمان عن أبيه قال : كان محمد بن طلحة يوم الجمل مع أبيه ، فنهى على رضى الله عنه عن قتله وقال : من رأى صاحب البرنس الأسود فلا يقتله ـ يعنيه ـ فقتله رجل من بنى أسد بن خزيمة يقال له : طلحة بن مدلج ، وقيل : شداد بن معاوية العبسي. وقيل عصام بن متشعر وعليه الأكثر. وهو الذي يقول في قتله. فذكره. قلت : وهو من جملة أبيات. أولها :
وأشعث قوام بآيات ربه |
|
قليل الأذى فيما ترى العين مسلم |