وقال ذو الرّمّة :
سَمِعْتُ النَّاسَ يَنْتَجِعُونَ غَيثاً |
|
فَقُلْتُ لِصَيْدَح انْتَجِعى بِلَالا (١) |
وقال آخر :
تَنَادَوْا بالرَّحِيلِ غَداً |
|
وَفي تَرْحَالِهمْ نَفْسِى (٢) |
وروى منصوبا ومجرورا. ويقول أهل الحجاز في استعلام من يقول : رأيت زيدا ، من زيداً؟ وقال سيبويه : سمعت من العرب : لا من أين يافتى. فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ : ص ، وق ، ون مفتوحات؟ (٣) قلت : الأوجه أن يقال : ذاك نصب وليس بفتح ، وإنما لم يصحبه التنوين لامتناع الصرف على ما ذكرت. وانتصابها بفعل مضمر. نحو : اذكر ؛ وقد أجاز
__________________
ـ في الامتداد والصلابة ، وقوله : والخيل شعث ، جملة حالية ، والشعث جمع أشعث ، أو شعث ، وغداة : ظرف له. ـ والحفيف : دوى الجري والطيران. يقال : حف الفرس حفيفاً ، وأحففته : إذا حملته على الحفيف ، وضمير كتمن للخيل. والربو : الزيادة وما ارتفع من الأرض ، والنفس العالي ، وانتفاخ الفرس من عدو أو فزع. يقال منه : ربا يربو ، إذا أخذه الربو : أى إذا ضاقت مناخر الخيل عن إخراج النفس لعجزها ، كان منخر فرسي واسعاً كالكير ـ وهو منفخة الحداد ـ لعلو نفسه وتردده ، وجعله مستعارا ليدل على أنه تداولته الأيدى. يقول : وجدنا في كلام جدودنا هذا الكلام ، فأحق مبتدأ ، والمعار خبره ، والجملة محكية محلها نصب بوجدنا.
(١) لذي الرمة يمدح بلالا أبا بريدة ، وهما لقب وكنية لعامر بن أبى موسى الأشعرى ، كان أمير البصرة وقاضيها ، وصيدح : اسم ناقة الشاعر. والناس رفع بالابتداء : أى سمعت هذا الكلام فحكاه على ما كان عليه ، ولم ينصب الناس ، لأنه يقتضى أن فعل الانتجاع مما يسمع وليس كذلك ، لأنه بمعنى يرتحلون طالبين غيثاً ، أو بمعنى يطلبون غيثاً أى مطراً أو كلأ نابتاً منه. وروى بنصب الناس ، فيكون ينتجعون غيثاً : بمعنى يتكلمون بطلبه.
وروى رأيت الناس. قال ابن القطاع : ولا يصح معه الرفع ، وذلك لأن الروية لا تقع على اللفظ ، وشبه تهيئتها وإعدادها للسير إليه ليسوقها أو سوقها إليه بأمره لها بالسير إليه ، وطلبه لترتب السير على كل على طريق التصريح ، ويجوز أنه شبهها بالعاقل فخاطبها بذلك على سبيل المكنية : أى اطلبى بلالا ، فانه أنفع مما يطلبه الناس ، ولما سمع بلال ذلك قال : يا غلام اعلف صيدح قتا ونوى ، والقت : نوع من النبات الطري.
(٢) روى الرحيل بالرفع على أنه مبتدأ ، وغداً ـ أى في غد ـ خبره ، وبالنصب : مصدر لفعل محذوف ، وذلك كله على الحكاية. وروى بالجر على الأصل ، وغدا. ظرف للرحيل ، وفي ترحالهم : أى مع رحيلهم نفسي ـ أى روحي ـ فكأن محبوبه أخذ روحه وغادره ميتا لتعلق قلبه به ، ويجوز أنه استعارها لمحبوبه على طريق التصريحية ، لأن به حياته وسروره ، فكأنه يموت بمفارقته لاغتمامه
(٣) قال محمود رحمه الله : «فان قلت : فما وجه من قرأ ص وق ون مفتوحات ... الخ»؟ قال أحمد رحمه الله تعالى : كلامه على الوجه الأول يوجب كونها معربة ، وعلى الوجه الثاني يحتمل أن يكون أراد أن الفتحة ـ لالتقاء الساكنين ـ نشأت عن سكون الحكاية ، فإنها إنما تحكى ساكنة مجردة من سمة الاعراب ، فلا تكون الحركة ـ