سيبويه مثل ذلك في : حم ، وطس ، ويس لو قرئ به. وحكى أبو سعيد السيرافي أنّ بعضهم قرأ : يس. ويجوز أن يقال : حرّكت لالتقاء الساكنين ، كما قرأ من قرأ : (وَلَا الضَّالِّينَ). فإن قلت : هلا زعمت أنها مقسم بها؟ (١) وأنها نصبت قولهم : نعم الله لأفعلن ، وآي الله لأفعلن ، على حذف حرف الجر وإعمال فعل القسم؟ وقال ذو الرمة :
أَلَا رُبَّ مَنْ قَلْبى لَهُ اللهَ نَاصِح (٢)
وقال آخر :
فَذَاكَ أَمَانَةُ اللهِ الثَّرِيدُ (٣)؟
__________________
ـ إذاً إعرابا ، إذ لا مقتضى له مع الحكاية ، ولا بناء إذ هي معربة عنده على هذا التقدير. ويحتمل أن يكون أراد أنها مبنية فتكون الحركة مثلها في أين وكيف حركة بناء ، والأول هو الظاهر من مراده إذ حتم قبل أنها معربة ، على أن سيبويه نص في كتابه على ما أورده بلفظه قال : وأما (ص) فلا يحتاج إلى أن يجعل اسما أعجميا ، لأن وزنه في كلامهم. ولكنه يجوز أن يكون اسما للسورة فلا يصرف. ويجوز أن يكون أيضا (يس وص) اسمين غير متمكنين فيلزمان الفتح كما ألزمت الأسماء غير المتمكنة للحركات نحو : كيف ، وأين ، وحيث ، وأمس اه كلام سيبويه. وفيه رد على الزمخشري رحمه الله في حتمه أن تكون معربة وأن فتحتها نصب أو لالتقاء الساكنين العارض للحكاية على ما ظهر من مقوله آنفاً ، وسيأتى له أيضا ما يدل على أنه لا يجوز بناؤها البتة. أقول : بعد تسليم أن الأول هو الظاهر من مراده ، فما ذكره ـ حكاية عن سيبويه ـ غير وارد عليه ، لأنه اختار أحد الوجهين.
(١) قال محمود رحمه الله : «هلا زعمت أنها مقسم بها ... الخ»؟ قال أحمد رحمه الله : وله البقاء على أنها منصوبة على القسم ، وجعل الواو عاطفة على مذهب الخليل وسيبويه في أمثاله ، ويسلك حينئذ في العطف سبيل:
ولا سابق شيئا إذا كان جائياً
فان المقسم به وإن كان منصوباً لأنه محل يعهد وفيه الخبر ، فعطف بالجر رعاية لذلك العهد ، وهاهنا أولى بالصحة منه بيت زهير المذكور لأن انتصاب المقسم به إنما نشأ عن حذف حرف الجر الذي هو أصل في القسم ، وانتصاب خبر ليس أصل في نفسه ، ليس ناشئا عن حذف. غايته أن حرف الجر قد يصحب خبرها دخيلا ، فمراعاة الأصل أجدر من مراعاة العارض ، فقد تحرر في فتح ص وجهان : أحدهما أن يكون إعرابا وهو إما جرى على الوجه الذي أبداه الزمخشري ، أو نصب على الوجه الذي نقلته عن سيبويه ، ثانيهما أنه لا إعراب ولا بناء وهو عروضه على الوقف في الحكاية.
(٢) ألا رب من قلبي له الله ناصح |
|
ومن قلبه لي في الظباء السوانح |
لذي الرمة. و «من» نكرة موصوفة. و «قلبي» مبتدأ. «الله» قسم نصب على حذف الجار وإعمال فعل القسم المقدر. و «ناصح» خبر ، والجملة صفة «من» و «السوانح» المسرعات جهة اليمين ، كما أن «البوارح» المسرعات جهة الشمال. يقول : رب شخص قلبي له ناصح خالص والله. ورب شخص قلبه لي غير خالص بل نافر عنى كأنه من الظباء المسرعات نفوراً. وأعاد الموصوف ـ وإن كان المقصود ذكر الصفة فقط ـ تنبيها على استقلال كل من الصفتين بقصد الاخبار به. هذا ، ويحتمل أن المعنى : أن قلبه لي ناصح أيضا ؛ لأن بعض العرب يتيمن بالسوانح. وفيه تلويح بتشبيه محبوبته بالظبية.
(٣) إذا ما الخبز تأدمه بلحم |
|
فذاك أمانة الله الثريد |
«ما» زائده. وأدم يأدم كضرب يضرب ، إذا وفق وأصلح ، وكذلك آدم بمد الهمزة ، فتأدمه : تصلحه ـ