ولكلمة الاستبعاد التي هي : أنى يحيى. وقيل هو عزيز أو الخضر ، أراد أن يعاين إحياء الموتى ليزداد بصيرة كما طلبه إبراهيم عليه السلام. وقوله : (أَنَّى يُحْيِي) اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الإحياء ، واستعظام لقدرة المحيي. والقرية : بيت المقدس حين خربه بخت نصر. وقيل : هي التي خرج منها الألوف (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) تفسيره فيما بعد. (يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) بناء على الظن. روى أنه مات ضحى وبعث بعد مائة سنة قبل غيبوبة الشمس ، فقال قبل النظر إلى الشمس : يوماً ، ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال : أو بعض يوم. وروى أن طعامه كان تينا وعنبا. وشرابه عصيراً أو لبنا ، فوجد التين والعنب كما جنيا ، والشراب على حاله (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم يتغير ، والهاء أصلية أو هاء سكت. واشتقاقه من السنة على الوجهين ، لأن لامها هاء أو واو ، وذلك أن الشيء يتغير بمرور الزمان. وقيل : أصله يتسنن ، من الحمأ المسنون ، فقلبت نونه حرف علة ، كتقضى البازي. ويجوز أن يكون معنى (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم تمرّ عليه السنون التي مرت عليه ، يعنى هو بحاله كما كان كأنه لم يلبث مائة سنة. وفي قراءة عبد الله : فانظر إلى طعامك وهذا شرابك لم يتسن. وقرأ أبىّ : لم يسنه ، بإدغام التاء في السين (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) كيف تفرّقت عظامه ونخرت ، وكان له حمار قد ربطه. ويجوز أن يراد : وانظر إليه سالما في مكانه كما ربطته ، وذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف ولا ماء ، كما حفظ طعامه وشرابه من التغير (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) فعلنا ذلك يريد إحياءه بعد الموت وحفظ ما معه. وقيل : أتى قومه راكب حماره وقال : أنا عزير ، فكذبوه ، فقال : هاتوا التوراة فأخذ يهذها هذًّا (١) عن ظهر قلبه وهم ينظرون في الكتاب ، فما خرم حرفا ، فقالوا : هو ابن الله. ولم يقرأ التوراة ظاهراً أحد قبل عزير ، فذلك كونه آية. وقيل : رجع إلى منزله فرأى أولاده شيوخا وهو شاب ، فإذا حدّثهم بحديث قالوا : حديث مائة سنة (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) هي عظام الحمار أو عظام الموتى الذين تعجب من إحيائهم (كَيْفَ نُنْشِزُها) كيف نحييها. وقرأ الحسن : ننشرها ، من نشر
__________________
ـ الايمان وما قدرت هذا السؤال إلا لنكتة يذكرها الزمخشري الآن تشعر بايراده على الترجيح المذكور. ثم هذه الجرأة التي نقلها الزمخشري في خلال كلامه من أنه إنما قال : أو بعض يوم لما رأى بقية من الشمس لم يكن رآها أول كلامه فاستدرك الأمر ، فيها نظر دقيق لم أقف عليه لأحد ممن أورد الحكاية في تفسيره. وذلك أن الأمر إذا كان على ما تضمنته ، وكلام المار المذكور بنى أولا على الجزم بأنه لبث يوما ثم جزم آخراً أن لبثه إنما كان بعض يوم لرؤية بقية من الشمس ، وكان مقتضى التعبير عن حاله أن يقول : بل بعض يوم ، مضرباً عن جزمه الأول إلى جزمه الثاني ، لأن «أو» إنما تدخل في الخبر إذا انبنى أوله على الجزم ثم عرض في آخره شك ، ولا جزم بالنقيض ، فالحكاية المذكورة توجب أن يكون الموضع ل «بل» لا ل «أو» إذ موضع «بل» جزم بنقيض الأول ، فإذا استقر ذلك فالظاهر من حال المار أنه كان أولا جازما ثم شك لا غير اتباعا لمقتضى الآية ، وعدولا عن الحكاية التي لا تثبت إلا بإسناد قاطع ، فيضطر إلى تأويل ، فتأمل هذا النظر فانه من لطيف النكت ، والله الموفق.
(١) قوله «فأخذ يهذها» أى يسرع بها. أفاده الصحاح. (ع)