الله الموتى ، بمعنى : أنشرهم فنشروا ، وقرئ بالزاي ، بمعنى تحرّكها ونرفع بعضها إلى بعض للتركيب. وفاعل (تَبَيَّنَ) مضمر تقديره : فلما تبين له أن الله على كل شيء قدير (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ، كما في قولهم : ضربني وضربت زيداً. ويجوز : فلما تبين له ما أشكل عليه ، يعنى أمر إحياء الموتى. وقرأ ابن عباس رضى الله عنهما : فلما تبين له على البناء للمفعول. وقرئ : قال اعلم ، على لفظ الأمر : وقرأ عبد الله : قيل اعلم. فإن قلت : فإن كان المارّ كافراً فكيف يسوغ أن يكلمه الله؟ (١) قلت : كان الكلام بعد البعث ولم يكن إذ ذاك كافراً.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٦٠)
(أَرِنِي) بصرني ، فإن قلت : كيف قال له (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) وقد علم أنه أثبت الناس إيمانا(٢)؟
__________________
(١) (عاد كلامه) قال : «فان قلت إذا كان المار كافراً ... الخ» قال أحمد : وهذا سؤال عجيب ، والجواب عنه أعجب منه ، ومن سلم لهذا السائل أن الله تعالى لا يسوغ أن يكلم الكافر؟ وهل هذا إلا خطب بلا أصل؟
أليس أن إبليس رأس الكفر ومعدنه ومع هذا قال الله تعالى : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ...) إلى آخر الآية ويقول تعالى للكفار وهم بين أطباقها يعذبون (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) ولأن هذا الأمر متيقن وقوعه فضلا عن جوازه أول العلماء قوله تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) بمعنى ولا يكلمهم بما يسرهم وينفعهم. هذا وجه تعجبي من السؤال. وأما الجواب فقد أسلفت آنفا رده بأن إيمان هذا المار على القول بأنه كان كافراً إنما حصل في آخر القصة بعد أن تبينت له الآيات. وأما كلام الله تعالى فمن أول القصة. قلت : الزمخشري كفانا مؤنة هذا الفضل سؤالا وجواباً والله المستعان.
(٢) قال محمود : «إن قلت كيف قال له (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) وقد علم ... الخ»؟ قال أحمد : الأولى في هذه الآية أن يذكر فيها المختار في تفسيرها من الممتحنة بالفكر المحرر ، والنكت المفصحة بالرأى المخمر فما وافق من كلام المصنف ما يذكره فالحمد لله ، وما خالفه فالحق فيما ذكرناه والله الموفق. فنقول : أما سؤال الخليل عليه السلام بقوله له (كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) فليس عن شك والعياذ بالله في قدرة الله عن الأحياء ، ولكنه سؤال عن كيفية الأحياء ، ولا يشترط في الايمان الاحاطة بصورتها ، فإنما هي طلب علم ما لا يتوقف الايمان على علمه ، ويدل على ذلك ورود السؤال بصيغة كيف ، وموضوعها السؤال عن الحال ، ونظير هذا السؤال أن يقول القائل : كيف يحكم زيد في الناس؟ فهو لا يشك أنه يحكم فيهم ، ولكنه سأل عن كيفية حكمه لا ثبوته ، ولو كان الوهم قد يتلاعب ببعض الخواطر فيطرق إلى إبراهيم شكا من هذه الآية. وقد قطع النبي عليه الصلاة والسلام دابر هذا الوهم بقوله «نحن أحق بالشك من إبراهيم» أى ونحن لم نشك ، فلأن لا يشك إبراهيم أحرى وأولى. فان قلت : إذا كان السؤال مصروفا إلى الكيفية التي لا يضر عدم تصورها ومشاهدتها بالايمان ولا تخل به ، فما موقع قوله تعالى : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ)؟ قلت : قد وقعت لبعض الحذاق فيه على لطيفة وهي أن هذه الصيغة تستعمل ظاهراً في السؤال عن الكيفية كما مر ، وقد تستعمل في الاستعجاز. مثاله : أن يدعى مدع أنه يحمل ثقلا من الأثقال وأنت جازم بعجزه عن حمله ، فتقول له : ـ