بِالْإِيْمانِ) إمّا أن يكون تكريراً لذكرهم للتأكيد والتسجيل عليهم بما أضاف إليهم. وإمّا أن يكون عاما للكفار ، والأوّل خاصاً فيمن نافق من المتخلفين ، أو ارتدّ عن الإسلام أو على العكس. و (شَيْئاً) نصب على المصدر ؛ لأن المعنى : شيئا من الضرر وبعض الضرر (الَّذِينَ كَفَرُوا) فيمن قرأ بالتاء نصب و (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) بدل منه : أى ولا تحسبنّ أنّ ما نملي للكافرين خير لهم ، و «أن» مع ما في حيزه ينوب عن المفعولين ، كقوله : أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون ، وما مصدرية ، بمعنى : ولا تحسبنّ أنّ إملاءنا خير ، وكان حقها في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة. ولكنها وقعت في الإمام متصلة فلا يخالف ، وتتبع سنة الإمام في خط المصاحف. فإن قلت : كيف صحّ مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين ، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد؟ قلت : صحّ ذلك من حيث أنّ التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحى : ألا تراك تقول : جعلت متاعك بعضه فوق بعض ، مع امتناع سكوتك على متاعك. ويجوز أن يقدّر مضاف محذوف على : ولا تحسبنّ الذين كفروا أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم. أو ولا تحسبنّ حال الذين كفروا أن الإملاء خير لأنفسهم. وهو فيمن قرأ بالياء رفع ، والفعل متعلق بأن وما في حيزه. والإملاء لهم : تخليتهم وشأنهم ، مستعار من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء. وقيل : هو إمهالهم وإطالة عمرهم. والمعنى : ولا تحسبنّ أن الإملاء خير لهم من منعهم أو قطع آجالهم (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) «ما» هذه حقها أن تكتب متصلة ، لأنها كافة دون الأولى ، وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها ، كأنه قيل : ما بالهم لا يحسبون الإملاء خيراً لهم ، فقيل : إنما نملي لهم ليزدادوا إثما. فإن قلت : كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضاً لله تعالى في إملائه (١) لهم؟ قلت : هو علة للإملاء ، وما كل علة بغرض. ألا تراك تقول : قعدت عن الغزو للعجز والفاقة ، وخرجت من البلد لمخافة الشر ، وليس شيء منها بغرض لك. وإنما هي علل وأسباب ، فكذلك ازدياد الإثم جعل علة للإمهال وسبباً فيه. فإن قلت : كيف يكون ازدياد الإثم علة للإملاء كما كان العجز علة للقعود عن الحرب؟ قلت : لما كان في علم الله المحيط بكل شيء أنهم مزدادون إثما ، فكان الإملاء وقع من أجله وبسببه على طريق المجاز. وقرأ يحيى بن وثاب بكسر الأولى وفتح الثانية. ولا يحسبنّ بالياء ، على معنى : ولا يحسبنّ الذين كفروا أن إملاءنا لازدياد الإثم كما يفعلون ، وإنما هو ليتوبوا ويدخلوا في الإيمان. وقوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) اعتراض بين الفعل ومعموله. ومعناه : أن إملاءنا خير لأنفسهم إن عملوا فيه وعرفوا إنعام الله عليهم
__________________
(١) قال محمود : «إن قلت : كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضاً لله تعالى في إملائه لهم ... الخ»؟ قال أحمد : بنى الزمخشري هذا الجواز على شفا جرف هار فانهار ، لأن معتقده أن الإثم الواقع منهم ليس مرداً لله تعالى بل هو واقع على خلاف الارادة الربانية ، فلما وردت الآية مشعرة بأن ازدياد الإثم مراداً لله تعالى إشعاراً لا يقبل التأويل ، أخذ يعمل الحيلة في وجه من التعطيل التزاما لإتمام الفاسد وضرباً في حديد بارد ، فجعل ازدياد الإثم سبباً وليس بغرض.