السماع أوّلا مؤكداً بالقسم ثم قال : سنكتب على جهة الوعيد بمعنى لن يفوتنا أبداً إثباته وتدوينه كما لن يفوتنا قتلهم الأنبياء. وجعل قتلهم الأنبياء قرينة له إيذانا بأنهما في العظم أخوان ، وبأن هذا ليس بأوّل ما ركبوه من العظائم ، وأنهم أصلاء في الكفر ولهم فيه سوابق ، وأن من قتل الأنبياء لم يستبعد منه الاجتراء على مثل هذا القول. وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب مع أبى بكر رضى الله عنه إلى يهود بنى قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأن يقرضوا الله قرضاً حسناً (١) ، فقال فنحاص اليهودي : إنّ الله فقير حين سألنا القرض فلطمه أبو بكر في وجهه وقال : لو لا الذي بيننا وبينكم من العهد لضربت عنقك فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجحد ما قاله ، فنزلت. ونحوه قولهم (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ)(وَنَقُولُ) لهم (ذُوقُوا) وننتقم منهم بأن نقول لهم يوم القيامة : ذوقوا (عَذابَ الْحَرِيقِ) كما أذقتم المسلمين الغصص. يقال للمنتقم منه : أحس ، وذق. وقال أبو سفيان لحمزة (٢) رضى الله عنه : ذق عقق (٣) وقرأ حمزة : سيكتب ، بالياء على البناء للمفعول ، ويقول بالياء. وقرأ الحسن والأعرج : سيكتب بالياء وتسمية الفاعل. وقرأ ابن مسعود : ويقال ذوقوا (ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدّم من عقابهم وذكر الأيدى لأن أكثر الأعمال تزاول بهنّ ، فجعل كل عمل كالواقع بالأيدى على سبيل التغليب فإن قلت : فلم عطف قوله (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) على ما قدّمت أيديكم ، وكيف جعل كونه غير ظلام للعبيد شريكا لاجتراحهم السيئات في استحقاق التعذيب؟ قلت : معنى كونه غير ظلام للعبيد أنه عادل عليهم ومن العدل أن يعاقب المسيء منهم ويثيب المحسن.
(الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ)(١٨٤)
__________________
(١) أخرجه ابن أبى حاتم من طريق ابن إسحاق ، حدثني محمد بن أبى محمد عن عكرمة عن ابن عباس. فذكره مطولا
(٢) ذكره ابن إسحاق في المغازي قال : وكان الجليس بن زياد الكناني سيد الأحابيش مر بأبى سفيان وهو يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح ويقول «ذق عقق» ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الدارقطني في المؤتلف.
(٣) قوله : «لحمزة رضى الله عنه : ذق عقق» في الصحاح : عاق وعقق ، مثل عامر وعمر. وذق عقق : أى ذق جزاء فعلك يا عاق. (ع)