(عَهِدَ إِلَيْنا) أمرنا في التوراة وأوصانا بأن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بهذه الآية الخاصة ، وهو أن يرينا قربانا تنزل نار من السماء فتأكله ، كما كان أنبياء بنى إسرائيل تلك آيتهم ، كان يقرب بالقربان ، فيقوم النبي فيدعو ، فتنزل نار من السماء فتأكله ، وهذه دعوى باطلة وافتراء على الله ، لأن أكل النار القربان لم يوجب الإيمان للرسول الآتي به إلا لكونه آية ومعجزة فهو إذن وسائر الآيات سواء فلا يجوز أن يعينه الله تعالى من بين الآيات. وقد ألزمهم الله أن أنبياءهم جاءوهم بالبينات الكثيرة التي أوجبت عليهم التصديق ، وجاءوهم أيضا بهذه الآية التي اقترحوها فلم قتلوهم إن كانوا صادقين أن الإيمان يلزمهم بإتيانها وقرئ (بِقُرْبانٍ) بضمتين. ونظيره السلطان. فإن قلت : ما معنى قوله (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ)؟ قلت : معناه ، وبمعنى الذي قلتموه من قولكم : قربان تأكله النار. ومؤدّاه كقوله : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أى لمعنى ما قالوا. في مصاحف أهل الشام : وبالزبر وهي الصحف (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) التوراة والإنجيل والزبور. وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم من تكذيب قومه وتكذيب اليهود.
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ)(١٨٥)
وقرأ اليزيدي (ذائِقَةُ الْمَوْتِ) على الأصل. وقرأ الأعمش (ذائقة الموت) بطرح التنوين مع النصب كقوله :
وَلَا ذَاكِرَ اللهَ إلّا قَلِيلَا (١)
فإن قلت : كيف اتصل به قوله (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ)؟ قلت : اتصاله به على أن كلكم تموتون ولا بدّ لكم من الموت ولا توفون أجوركم على طاعاتكم ومعاصيكم عقيب موتكم ، وإنما توفونها يوم قيامكم من القبور. فإن قلت فهذا يوهم نفى ما يروى أن القبر روضة من رياض الجنة
__________________
(١) فذكرته ثم عاتبته |
|
عتاباً رقيقاً وقولا جميلا |
فألقيته غير مستعتب |
|
ولا ذاكر الله إلا قليلا |
لأبى الأسود الدؤلي ، كان يجلس إلى فناء امرأة جميلة بالبصرة فقالت له : هل لك أن أتزوج بك؟ فانى حميدة الخصال وكيت وكيت. فقال : نعم وتزوجها من أهلها ، فوجدها بضد ما قالت ، فعاتبها وخاطب أهلها بشعر منه ذلك ، ثم طلقها أمامهم. وكنى بضمير المذكر عنها استحياء. أى فذكرتها بما قالت وعاتبتها على ما فعلت عتابا حسناً ، فوجدتها غير قابلة منى عتاباً. ولفظ الجلالة نصب بذاكر ، وحذف تنوينه مع أنه غير مضاف تشبيها بحذف نون التوكيد الخفيفة لملاقاة الساكن. أو بتنوين العلم الموصوف بابن مضافا إلى علم. وذاكر : عطف على مستعتب. و «لا» زائدة لتوكيد النفي ، ولم يضف ذاكر إلى الله ليتمحض للتنكير كالذي قبله ، وليكون أبلغ في النفي ؛ لأن الاضافة قد تفيد أن شأنه الذكر ، فيتوهم أن النفي هو الشأنية لا أصل الذكر.