ذلك مما يدل على القدرة العظيمة. ومن قدر على نحوه كان قادراً على كل شيء ، ومن المقدورات عقاب العصاة ، فالنظر فيه يؤدى إلى أن يتقى القادر عليه ويخشى عقابه ، ولأنه يدل على النعمة السابغة عليهم ، فحقهم أن يتقوه في كفرانها والتفريط فيما يلزمهم من القيام بشكرها. أو أراد بالتقوى تقوى خاصة وهي أن يتقوه فيما يتصل بحفظ الحقوق بينهم ، فلا يقطعوا ما يجب عليهم وصله ، فقيل : اتقوا ربكم الذي وصل بينكم ، حيث جعلكم صنوانا مفرعة من أرومة واحدة. فيما يجب على بعضكم لبعض ، فحافظوا عليه ولا تغفلوا عنه. وهذا المعنى مطابق لمعانى السورة. وقرئ : وخالق منها زوجها. وباث منهما ، بلفظ اسم الفاعل ، وهو خبر مبتدإ محذوف تقديره : وهو خالق (تَسائَلُونَ بِهِ) تتساءلون به ، فأدغمت التاء في السين. وقرئ (تساءلون) بطرح التاء الثانية ، أى يسأل بعضكم بعضا بالله وبالرحم. فيقول : بالله وبالرحم أفعل كذا على سبيل الاستعطاف. وأناشدك الله والرحم. أو تسألون غيركم بالله والرحم ، فقيل «تفاعلون» موضع «تفعلون» للجمع ، كقولك : رأيت الهلال وتراءيناه. وتنصره قراءة من قرأ : تسلون به. مهموز أو غير مهموز. وقرئ (وَالْأَرْحامَ) بالحركات الثلاث ، فالنصب على وجهين : إما على : واتقوا الله والأرحام ، أو أن يعطف على محل الجار والمجرور ، كقولك : مررت بزيد وعمراً. وينصره قراءة ابن مسعود : نسألون به وبالأرحام ، والجرّ على عطف الظاهر على المضمر ، وليس بسديد ؛ لأنّ الضمير المتصل متصل كاسمه ، والجار والمجرور كشيء واحد ، فكانا في قولك «مررت به وزيد» و «هذا غلامه وزيد» شديدي الاتصال ، فلما اشتد الاتصال لتكرره أشبه العطف على بعض الكلمة ، فلم يجز ووجب تكرير العامل ، كقولك : «مررت به وبزيد» و «هذا غلامه وغلام زيد» ألا ترى إلى صحة قولك «رأيتك وزيدا» و «مررت بزيد وعمرو» لما لم يقو الاتصال ، لأنه لم يتكرر ، وقد تمحل لصحة هذه القراءة بأنها على تقدير تكرير الجار ونظيرها.
فَمَا بِكَ وَالأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ (١)
والرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف ، كأنه قيل : والأرحام كذلك ، على معنى : والأرحام مما يتقى أو والأرحام مما يتساءل به. والمعنى أنهم كانوا يقرون بأن لهم خالقاً ، وكانوا يتساءلون بذكر الله والرحم ، فقيل لهم : اتقوا الله الذي خلقكم ، واتقوا الذي تتناشدون به واتقوا الأرحام
__________________
(١) فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيام من عجب |
للأعشى. وقيل : لعمرو بن معديكرب. وقيل : لخفاف بن ندبة. وقيل : لعباس بن مرداس. يقال : قرب الفرس تقريباً أسرع. يقول : فاليوم دنوت مسرعا في هجونا بعد بطئك عنه. ويروى : قد بت ، أى قد صرت تهجونا ، فاذهب على طريقتك فإنها سمة اللئام وشيمة الأيام ، فلا عجب من ذلك ، وهو أمر تخلية ومتاركة. والأيام : عطف على الضمير المجرور ، وهو دليل على جوازه بدون إعادة الجار وإن منعه الجمهور.