فلا تقطعوها. أو واتقوا الله الذي نتعاطفون باذكاره وباذكار الرحم. وقد آذن عز وجل ـ إذ قرن الأرحام باسمه ـ أن صلتها منه بمكان ، كما قال : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وعن الحسن : إذا سألك بالله فأعطه ، وإذا سألك بالرحم فأعطه. وللرحم حجنة عند العرش (١) ومعناه ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه «الرحم معلقة بالعرش فإذا أتاها الواصل بشت به وكلمته ، وإذا أتاها القاطع احتجبت (٢) منه». وسئل ابن عيينة عن قوله عليه الصلاة والسلام «تخيروا لنطفكم» (٣) فقال : يقول لأولادكم. وذلك أن يضع ولده في الحلال. ألم تسمع قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) وأول صلته أن يختار له الموضع الحلال ، فلا يقطع رحمه ولا نسبه فإنما للعاهر الحجر ، ثم يختار الصحة ويجتنب الدعوة (٤) ، ولا يضعه موضع سوء يتبع شهوته وهواه بغير هدى من الله.
(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً)(٢)
(الْيَتامى) الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم. واليتم. الانفراد. ومنه : الرملة اليتيمة والدرّة اليتيمة. وقيل : اليتم في الأناسى من قبل الآباء ، وفي البهائم من قبل الأمهات. فإن قلت : كيف جمع اليتيم ـ وهو فعيل كمريض ـ على يتامى؟ قلت : فيه وجهان : أن يجمع على يتمى كأسرى ، لأنّ اليتم من وادى الآفات والأوجاع ، ثم يجمع فعلى على فعالي كأسارى. ويجوز أن يجمع على فعائل لجرى اليتيم مجرى الأسماء ، نحو صاحب وفارس ، فيقال : يتائم ، ثم يتامى على القلب. وحق هذا
__________________
(١) قوله «حجنة عند العرش» في الصحاح : الحجن ـ بالتحريك ـ الاعوجاج. وصقر أحجن المخالب معوجها. وحجنة المغزل ـ بالضم ـ هي المنعقفة في رأسه. وفيه أيضا : عقفت الشيء فانعقف ، أى عطفته فانعطف. والتعقيف : التعويج (ع)
(٢) أخرجه إسحاق بن راهويه : أخبرنا جرير عن قابوس عن أبيه عنه به. ورواه الحكيم الترمذي من هذا الوجه
(٣) رواه ابن ماجة والحاكم والدارقطني من حديث هشام عن أبيه عن عائشة. قال ابن طاهر : لم يروه عن هشام ثقة. ورواه ابن عدى من طريق عيسى بن ميمون أحد الضعفاء عن القاسم عن عائشة رضى الله عنها ورواه تمام في فوائده وأبو نعيم في الحلية من رواية الزهري عن أنس وفيه عبد العظيم بن إبراهيم السالمى وهو مجهول. ورواه ابن عدى من حديث عمر موقوفا. وفيه سليمان بن عطاء وهو ضعيف وقال ابن طاهر : رواه إسحاق بن الغيض عن عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء ، فمرة قال : عن ابن عباس. ومرة قال : عن عائشة. وهذا أجود طرقه إن كان الاسناد إلى إسحاق قويا. قال ابن أبى حاتم عن أبيه : هذا الحديث ضعيف من جميع طرقه
(٤) قوله «ويجتنب الدعوة» لعله الدعرة بالراء بدل الواو. وفي الصحاح : الدعر ـ بالتحريك ـ الفساد. (ع)