أَمْوالَهُمْ)جعل غاية للابتلاء ، وهي «حتى» التي تقع بعدها الجمل ، كالتي في قوله :
فَمَا زَالَتِ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا |
|
بِدِجْلَةَ حَتَّي مَاءُ دِجْلَهَ أشْكَلُ (١) |
والجملة الواقعة بعدها جملة شرطية لأن إذا متضمنة معنى الشرط ، وفعل الشرط بلغوا النكاح وقوله : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) جملة من شرط وجزاء واقعة جوابا للشرط الأول الذي هو إذا بلغوا النكاح ، فكأنه قيل : وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم ، فاستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم. وقرأ ابن مسعود : فإن أحسيتم بمعنى أحسستم قال :
أحَسْنَ بِهِ فَهُنَّ إلَيْه شُوسُ (٢)
وقرئ : رشداً ، بفتحتين. ورشداً ، بضمتين (إِسْرافاً وَبِداراً) مسرفين ومبادرين كبرهم ، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم ، تفرطون في إنفاقها ، وتقولون ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا. ثم قسم الأمر بين أن يكون الوصي غنيا وبين أن يكون فقيراً ، فالغنى يستعف من أكلها (٣) ولا يطمع ، ويقتنع بما رزقه الله من الغنى إشفاقا على اليتيم ، وإبقاء على ماله. والفقير يأكل قوتا مقدراً محتاطا في تقديره على وجه الأجرة ، أو استقراضا على ما في ذلك من الاختلاف ولفظ الأكل بالمعروف والاستعفاف ، مما يدل على أن للوصي حقاً لقيامه عليها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أن رجلا قال له : إن في حجري يتيما أفآكل من ماله؟ قال : «بالمعروف غير
__________________
(١) لجرير ، يقول : فما زالت تمج ، أى تلقى وتخرج دماءها في شاطئ دجلة. وحتى : ابتدائية تقع بعدها الجمل ، ولا تخلو من معنى الغاية. وأشكل : خبر المبتدأ ، وهو الأبيض المشوب بحمرة. وأظهر في محل الإضمار لقيد التهويل والتعظيم. أى حتى أن ماء ذلك النهر الكبير مختلط بالحمرة.
(٢) فباتوا يدلجون وبات يسرى |
|
بصير بالدجى هاد عموس |
إلى أن عرسوا وانحت منهم |
|
قريباً ما يمس له مسيس |
سوى أن العناق من المطايا |
|
أحسن به فهن إليه شوس |
لأبى زبيد الطائي. والإدلاج : سير أول الليل. والتدليج : سير آخره. والسرى : سير الليل. وبصير : صفة لمحذوف. وبالدجى : متعلق به. والبصير : المتبصر الخبير أو المبصر ، فالباء بمعنى في. والدجى الظلم. والهادي :
المراد به المهتدى. والعموس : القوى الشديد. وعرسوا : أى نزلوا. والحت : النتف والفرك والقطع والسرعة.
فانحت : انعزل منهم بسرعة ، أو أسرع قريبا منهم ما يمس : أى لا يسمع له مسيس ، أى صوت مسه للأرض في المشي. والعتاق : النجائب أو المسنة. وأحسن : أصله أحسسن ، نقلت فتحة السين إلى الحاء ثم حذفت. ويروى : حسين. وفي لغة : حسين ، بكسر السين. وأصله حسسن ، قلبت السين الثانية حرف علة. وزيادة الباء بعد فعل الحس كثيرة وإن تعدى بنفسه. والشوس : جمع أشوس ، أو شوساء وهو الذي ينظر بمؤخر عينه يصف مسافرين والأسد يطلب فريسة منهم ، وكثيرا ما يحذفون الموصوف كالأسد هنا ، لأن الصفة تعينه ، أو لادعاء تعينه.
(٣) قوله «من أكلها» لعله «عن» ، (ع)