بالضم. والضمير في (تَرَكَ) للميت ؛ لأنّ الآية لما كانت في الميراث ، علم أن التارك هو الميت. فإن قلت : قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) كلام مسوق لبيان حظ الذكر من الأولاد ، لا لبيان حظ الأنثيين ، فكيف صح أن يردف قوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) وهو لبيان حظ الإناث؟ قلت : وإن كان مسوقا لبيان حظ الذكر ، إلا أنه لما فقه منه وتبين حظ الأنثيين مع أخيهما ؛ كان كأنه مسوق للأمرين جميعا ، فلذلك صح أن يقال : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) : فإن قلت. هل يصح أن يكون الضميران في «كنّ» و «كانت» مبهمين ، ويكون «نساء» و «واحدة» تفسيراً لهما ، على أن كان تامة؟ قلت : لا ابعد ذلك. فإن قلت : لم قيل (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) (١) () ولم يقل : وإن كانت امرأة؟ قلت : لأنّ الغرض ثمة خلوصهن إناثا لا ذكر فيهنّ ، ليميز بين ما ذكر من اجتماعهن مع الذكور في قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وبين انفرادهن. وأريد هاهنا أن يميز بين كون البنت مع غيرها وبين كونها وحدها لا قرينة لها. فإن قلت : قد ذكر حكم البنتين في حال اجتماعهما مع الابن وحكم البنات والبنت في حال الانفراد ، ولم يذكر حكم البنتين في حال الانفراد فما حكمهما ، وما باله لم يذكر؟ قلت : أما حكمهما فمختلف فيه ، فابن عباس أبى تنزيلهما منزلة الجماعة (٢) ، لقوله تعالى (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) فأعطاهما حكم الواحدة وهو ظاهر مكشوف. وأما سائر الصحابة فقد أعطوهما حكم الجماعة ، والذي يعلل به قولهم : أن قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) قد دلّ على أن حكم الأنثيين حكم الذكر ، وذلك أن الذكر كما يجوز الثلثين مع الواحدة ، فالأنثيان كذلك يجوزان الثلثين ، فلما ذكر ما دلّ على حكم الأنثيين قيل (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) على معنى : فإن كن جماعة بالغات ما بلغن من العدد فلهن ما للأنثيين وهو الثلثان لا يتجاوزنه لكثرتهن
__________________
(١) عاد كلامه. قال محمود : فان قلت لم قيل ؛ فان كن نساء ، ولم يقل : وإن كانت امرأة ... الخ» قال أحمد: يريد أن حكم البنتين حال اجتماعهما مع الابن مذكور في قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وأن حكم البنات منفردات مذكور في قوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) وأن حكم البنت منفردة مذكور في قوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) وبقي عليه أن ذكر الابن في حال الانفراد مستفاد من قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) إذا ضممته إلى قوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) على التقرير الذي قدمته.
(٢) عاد كلامه. قال في الجواب «أما حكمها فمختلف فيه ، فابن عباس أبى تنزيلهما منزلة الجماعة ... الخ» قال أحمد : ومحز النظر أن ابن عباس أجرى التقييد بالصفة ، وهي قوله : (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) على ظاهره من مفهوم المخالفة ، غير أنه ما كان يقتضى اللفظ أن يقتصر لهما على النصف لأجل تعارض المفهومين ، إذ مفهوم (فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) أن تكون الأنثى أقل من الثلثين ، ومفهوم (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) أن تكون الأنثيين أزيد من النصف ، فيكون نصيبهما متردداً فيما بين النصف والثلثين بقدر مجمل. وأما غيره فأظهر للتقييد فائدة جلية سوى المخالفة ، وتلك الفائدة رفع الفرق المتوهم بين الأنثيين وما فوقهما. ومتى ظهرت للتخصيص فائدة جلية سوى المخالفة وجب المصير إليها وسقط التعلق بالمفهوم ، وكأنه على القول المشهور لما علم أن الأنثيين يستوجبان الثلثين بالطرق المذكورة ، وكان الوهم قد يسبق إلى أن الزائد على الأنثيين يستوجبن أكثر من فرض الأنثيين ، لأن ذلك مقتضى القياس. رفع هذا الوهم ، بإيجاب الثلثين لما فوق الأنثيين كوجوبه لهما ، والله أعلم.