فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)(١١)
(يُوصِيكُمُ اللهُ) يعهد إليكم ويأمركم (فِي أَوْلادِكُمْ) في شأن ميراثهم بما هو العدل والمصلحة. وهذا إجمال تفصيله (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فإن قلت : هلا قيل : للأنثيين مثل حظ الذكر (١) أو للأنثى نصف حظ الذكر ؛ قلت : ليبدأ ببيان حظ الذكر لفضله ، كما ضوعف حظه لذلك ، ولأنّ قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) قصد إلى بيان فضل الذكر. وقولك : للأنثيين مثل حظ الذكر ، قصد إلى بيان نقص الأنثى. وما كان قصداً إلى بيان فضله ، كان أدلّ على فضله من القصد إلى بيان نقص غيره عنه ؛ ولأنهم كانوا يورّثون الذكور دون الإناث (٢) وهو السبب لورود الآية ، فقيل : كفى الذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث ، فلا يتمادى في حظهن حتى يحرمن مع إدلائهن من القرابة بمثل ما يدلون به. فإن قلت : فإن حظ الأنثيين الثلثان ، فكأنه قيل للذكر الثلثان. قلت : أريد حال الاجتماع لا الانفراد أى إذا اجتمع الذكر والأنثيان كان له سهمان ، كما أن لهما سهمين. وأما في حال الانفراد ، فالابن يأخذ المال كله والبنتان يأخذان الثلثين. والدليل على أن الغرض حكم الاجتماع ، أنه أتبعه حكم الانفراد ، وهو قوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) والمعنى للذكر منهم ، أى من أولادكم ، فحذف الراجع إليه لأنه مفهوم ، كقولهم : السمن منوان بدرهم (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) فإن كانت البنات أو المولودات نساء خلصاً. ليس معهن رجل يعنى بنات ليس معهن ابن (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) يجوز أن يكون خبراً ثانياً لكان وأن يكون صفة لنساء أى نساء زائدات على اثنتين (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً) وإن كانت البنت أو المولودة منفردة فذة ليس معها أخرى (فَلَهَا النِّصْفُ) وقرئ : واحدة بالرفع على كان التامّة والقراءة بالنصب أوفق لقوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) وقرأ زيد بن ثابت (النِّصْفُ)
__________________
(١) قال محمود : «إن قلت هلا قيل للأنثيين مثل حظ الذكر ... الخ» قال أحمد : لأن الأفضلية حينئذ مدلول عليها بواسطة الاستلزام لا منطوق بها. وأما على نظم الآية ، فالأفضلية منطوق بها غير محتاجة إلى ذلك.
(٢) عاد كلامه. قال : «ولأنهم كانوا يورثون الذكور دون الإناث ... الخ» قال أحمد : وعلى مقتضى هذا لا يكون حكم الابن إذا انفرد مذكوراً في الآية ، لأنه حيث ذكره فإنما عنى حالة الاجتماع مع الإناث خاصة على تفسير الزمخشري. هذا ويمكن خلافه ، وهو أن المذكور أولا ميراث الذكر على الإطلاق مجتمعا مع الإناث منفرداً ، أما وجه تلقى حكمه حالة الاجتماع فقد قرره الزمخشري. وأما وجه تلقيه حالة الانفراد فمن حيث أن الله تعالى جعل له مثل حظ الأنثيين ، فان كانت معه فذاك ، وإن كانت منفردة عنه فقد جعل لها في حال انفرادها النصف ، فاقتضى ذلك أن للذكر عند انفراده مثلي نصيبها عند انفرادها ، وذلك الكامل. والله أعلم.